الخراساني رحمهالله في الكفاية من كون التقليد من الفطريات من باب رجوع الجاهل الى العالم ليس في محلّه ؛ لأنّ ما هو فطري من الأقسام المذكورة التي قلنا برجوع الجاهل الى العالم هو القسم الأول ، وهو الرجوع به لأجل التعلم وصيرورته عالما ، وليس في التقليد الرجوع الى العالم من هذا الباب ، فلا يكون التقليد كما توهّم فطريا.
وأمّا في القسم الثاني : يعني الرجوع الى العالم من باب دليل الانسداد ـ فهو أيضا غير مربوط بالتقليد ؛ لأنّ المقلّد لا يرجع الى المجتهد من باب دليل الانسداد ، بل يكون الرجوع الى العالم في باب التقليد من أجل الجهة الثالثة ، وليس ذلك فطريا ، يعني ليس الرجوع الى العالم من باب الأخذ بقوله من غير حصول علم للجاهل من قوله فطريا ، بل يكون ذلك من باب حكم العقل ، فما قاله المحقّق المذكور رحمهالله من التمسّك بالفطرة في باب التقليد ليس في محلّه ، لأنّ الفطرة وحكمها غير العقل وحكمه.
فظهر لك أنّ التقليد وجوبه من باب حكم العقل ، ولا حاجة بعد حكم العقل الى دليل آخر ، فكلّ شخص اذا فهم بمقتضى عقله أنّ مع جهله بالأحكام وعدم كونه مجتهدا ومحتاطا لا بدّ من كشف الأحكام على وجه لا بدّ له من الرجوع الى العالم ، فيتبع قول العالم تعبّدا ، وهذا معنى التقليد ، وليس نفس التقليد تقليديا بمعنى أنّ في أصل التقليد لا يمكن التقليد للزوم الدور أو التسلسل ؛ لأنّه إذا قلّد في أصل وجوب التقليد بالغير فما الدليل على وجوب هذا التقليد؟ يعني تقليد شخص في وجوب التقليد فإن كان في هذا أيضا مقلّدا وهكذا يلزم التسلسل ، وإلّا لدار ، فلا بدّ من الانتهاء الى غير التقليد ، ولهذا نقول بأنّ التقليد في المسألة الاصولية ثابت بحكم العقل ، فإنّه بعد فهم أنّ لله أحكاما يجب اتّباعها فإن لم يتمكّن له بنفسه من تحصيل هذه الأحكام لعدم كونه عالما فعقله حاكم في المراجعة الى العالم ، فاذا رجع في ذلك الى العالم وأمر العالم ـ يعني المجتهد ـ بأنّ تكليفك إما التقليد فقط ، أو أنت مخير بينه وبين الاحتياط فيقلّد في مسألة فرعية بمقتضى تقليد العالم ، فهذا التقليد يعني التقليد