خط الشهيد قده في حديث طويل (١) يقول فيه سل العلماء ما جهلت وإياك ان تسألهم تعنتا وتجربة وإياك ان تعمل برأيك شيئا وخذ الاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس.
وهذه الروايات غير معللة بشيء ولا يكون في موضوعها أخذ الهلكة حتى يجيء فيه الدور الّذي مرّ جوابه.
والأمر بالاحتياط لا يخلو اما أن يكون نفسيا بأن يكون في نفس الاحتياط مع قطع النّظر عن الواقع مصلحة توجب الحكم بوجوبه أو يكون غيريا مولويا أو إرشادا إلى حفظ الواقع أو طريقا مجعولا لحفظ الواقع كالأمارات.
لا سبيل إلى الأول لأن الظاهر في كل مورد يكون الاحتياط معنونا يكون لحفظ الواقع به ولا مصلحة في نفسه فانه أي مصلحة في الجمع بين المحتملات واما كونه غيريا مولويا مثل الأمر بالمقدمة أيضا فلا يصح لأنه لا يكون له مقدمة بالنسبة إلى الواقع أي لا يكون فعل محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة مقدمة لوجود الواجب في الواقع أو الحرام بل يكون مقدمة لإحرازه كما في موارد العلم الإجمالي فان الاحتياط يكون لحفظ الواقع بعد وجوده في البين.
واما الثالث وهو كونه إرشادا لما حكم به العقل وهو يحتاج إلى إحراز المرشد إليه قبل هذا فيكون مختصا بموارد العلم الإجمالي وهذا أيضا خلاف الظاهر لأن الشارع في مقام التشريع يجب ان يبيّن الحكم الشرعي لا ما يكون العقل حاكما به.
فيتعين القول بالوجوب الطريقي فكأن الشارع في مقام حفظ الواقع قال مثلا صلّ ثم انه قد يصل هذا الأمر إلى العبد بالوجدان وقد لا يصل فيقول صدّق العادل إذا لم يكن قادرا للعلم الوجداني لأنه طريق غالبي لحفظ الواقع ثم إذا لم يصل بهذا النحو أيضا يقول فاحتط ليتحفظ الواقع على أي حال فيكون الاحتياط واجبا في كل مورد شبهة ولو كانت بدوية.
__________________
(١) في الباب المتقدم ح ٥٤.