فان قلت كل موارد الشك في الفراغ إذا جرى الأصل في ناحية الجعل يكون المكلف في وسع في ناحية الفراغ وفي المقام أيضا إذا جرى الأصل بالنسبة إلى قيد التعيين لا تصل النوبة إلى الشك في حصول الامتثال بالنسبة إلى الفرد المخير قلت البراءة في مقام الجعل يكون في صورة مجهولية حدّ التكليف كالشك في الجزء أو الشرط واما إذا كان الحد معينا ويكون الشك في شيء خارج عن دائرة المكلف به فلا يكون الأصل جاريا وفي المقام حد التكليف من الجزء والشرط معلوم غاية الأمر لا ندري أن هذا المعين لازم أو يكفى الغير وحيث لا يكون لنا العلم بجعل الغير بدلا له فالأصل الاشتغال.
وهذا البيان أمتن مما قاله شيخنا النائيني لأنه يرد عليه قده ان المرفوع بحديث الرفع لا يلزم أن يكون أمرا وجوديا في جميع الموارد بل إذا كان التسهيل في عدم الجعل يكفى لشمول أدلة البراءة والحق هو القول بالاشتغال لأنه موافق للاحتياط.
الصورة الثالثة هي أن يكون للمكلف العلم بوجوب شيء معين والعلم أيضا بوجوب شيء آخر مثل أن يعلم وجوب الإطعام ويعلم وجوب الصيام أيضا ولكن يكون شكه من جهة ان وجوب هذا هل يكون بنحو التخيير بمعنى انه عدل للآخر أو يكون له وجوب بنفسه كما ان الآخر أيضا له وجوب نفسي فيكون الشك في ان أحد هذين هل يكون عدلا للآخر أو كلاهما واجبان عينيان.
وقد جعل الشيخ الأنصاري قده (١) البحث عن هذه الصورة في باب الأقل والأكثر وقال الشيخ النائيني قده في المقام أيضا بالاشتغال كما قال في الصورة السابقة وسنده مثل السند الّذي ذكرناه سابقا ونشير إليه أيضا لمزيد توضيح لأصل الدليل وزيادة بيان للمقام فقال بما حاصله ان الواجب التخييري معناه هو جعل العدل له فيكون الأمر بالشيء مع ذكر العدل له هو الوجوب التخييري والأمر به مع عدم ذكر العدل يكون هو الوجوب التعييني والإثبات يوافق الثبوت فإذا لم يذكر العدل إثباتا يكشف
__________________
(١) في الرسائل ص ٢١٧ و ٢١٨.