لا يقال أن ما ذكرتم من المضادة بين جريان الأصل والعلم يكون في صورة وجود العلم الوجداني الإجمالي واما إذا كان الدليل هو العلمي مثل قيام الأمارة على أن أحد هذين الكأسين مثلا نجسا فلا مجال لهذا القول لأن دليل الأصل أيضا أمارة ففي مقام تعارض الأمارتين لأصالة الظهور فيها لا وجه لتقديم أمارة الحكم بل يقدم دليل الأصل أيضا كما أنه يمكن تقديم أمارة الحكم ولا ترجيح لأمارته على أمارة الأصل.
لأنا نقول دليل الحكم يكون حاكما على دليل الأصل لأن الموضوع في جريان الأصل هو الشك فانه يكون جريان الأصل عند عدم العلم بالحكم بقوله رفع ما لا يعلمون وأمثاله وفقدان الموضوع يكون موجبا لفقدان الحكم ودليل الحكم لا يكون موضوعه الشك بل يكون في ظرف الشك فعلى مسلك تتميم الكشف يكون دليل الحكم تنزيل الشك منزلة العلم فيكون مفادها حصول العلم تعبدا فيكون رافعا لموضوع الأصل تعبدا فلذا يقدم أمارة الحكم على الأصل.
وبعبارة أخرى إذا شك في حكم العصير العنبي فدل دليل على النجاسة مثل رواية عن زرارة مثلا فان مفاد دليل الأمارة هو تصديق العادل وإلقاء احتمال الخلاف في ظرف الشك وفرض المشكوك معلوما واما إذا لم يكن دليل كذلك فان مفاد رفع ما لا يعلمون وغيره هو أن الحكم في الموضوع الّذي يكون هو الشك مرفوع فيكون مفاده الأصل لأن الأصل موضوعه الشك فدليل النجاسة يدل على أنك عالم بالعلم التعبدي ودليل الأصل لا يحكم كذلك بل مع تثبيت الشك يحكم برفع الحكم.
ومعلوم أن الّذي يفيد العلم تعبدا يوجب رفع الموضوع بالنسبة إلى ما يكون موضوعه الشك فلا فرق في العلم الإجمالي بين أن يكون العلم وجدانيا أو تعبديا مستفادا من الشرع.
هذا كله في المقام الأول وهو وجوب ترك المخالفة القطعية وحاصل ما قلناه في اقتضاء العلم ذلك هو أنه لو فرض جواز المخالفة كذلك يلزم الترخيص في المعصية وهو قبيح عن المولى الحكيم والمخالف هنا شاذّ.