أتاني ورحلي بالمدينة وقعة |
|
لآل تميم أقعدت كلّ قائم |
أراد : قعد لها كل قائم ؛ فكأنّهم قالوا : لا تخلّ بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك ، فنزيغ ونضلّ.
وثالثها : ما أجاب به أبو عليّ الجبّائيّ محمّد بن عبد الوهّاب ، لأنّه قال : المراد بالآية ربّنا لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك. ومعني هذا السؤال أنّهم سألوا الله تعالى أن يلطف لهم في فعل الإيمان ؛ حتى يقيموا عليه ولا يتركوه في مستقبل عمرهم ، فيستحقّوا بترك الإيمان أن يزيغ قلوبهم عن الثواب ، وأن يفعل بهم بدلا منه العقاب.
فإن قال قائل : فما هذا الثواب الذي هو في قلوب المؤمنين ؛ حتى زعمتم أنّهم سألوا الله تعالى ألّا يزيغ قلوبهم عنه؟ وأجاب بأنّ من الثواب الذي في قلوب المؤمنين ما ذكره الله تعالى من الشرح والسّعة بقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (١) ؛ وقوله تعالى للرسوله عليه وآله السلام : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (٢) وذكر أنّ ضدّ هذا الشرح هو الضّيق والحرج اللّذان يفعلان بالكفّار عقوبة ، قال : ومن ذلك أيضا التطهير الذي يفعله في قلوب المؤمنين ، وهو الذي منعه الكافرين ، فقال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) (٣).
قال : ومن ذلك أيضا كتابته الإيمان في قلوب المؤمنين ، كما قال الله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (٤) وضدّ هذه الكتابة هي سمات الكفر التي في قلوب الكافرين ؛ فكأنّهم سألوا الله تعالى ألّا يزيغ قلوبهم عن هذا الثواب إلى ضدّه من العقاب.
ورابعها : أن تكون الآية محمولة على الدعاء بألّا يزيغ القلوب عن اليقين والإيمان. ولا يقتضي ذلك أنّه تعالى سئل ما كان لا يجب أن يفعله ، وما لو لا المسألة لجاز فعله ؛ لأنّه غير ممتنع أن يدعوه على سبيل الانقطاع إليه ، والافتقار
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢٥.
(٢) سورة الشرح ، الآية : ١.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٤١.
(٤) سورة المجادلة ، الآية : ٢٢.