لأجل تخصيص الصفة ، كما ذكرناه في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (١) إلى ما شاكله ، وليس يجب إذا ما خصّصنا الذي ذكره ثانيا لدليل أن نخصّ الذي ذكره أولا (٢) من غير دليل» (٣).
يقال له : قد بيّنا كيفية الاستدلال بالآية على النصّ ودلّلنا على أنّها متناولة لأمير المؤمنين عليهالسلام دون غيره ، وفي ذلك إبطال لما تضمّنه صدر هذا الفصل وجواب عنه.
فأمّا حمل لفظ الجمع على الواحد فجائز معهود استعماله في اللغة والشريعة ، قال الله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) (٤) (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٥) و (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (٦) وإنّما المراد العبارة عنه تعالى دون غيره ، وهو واحد ، ومن خطاب الملوك والرؤساء «فعلنا كذا» و «أمرنا بكذا» ، ومرادهم الوحدة دون الجمع ، والأمر في استعمال هذه الألفاظ على التعظيم في العبارة عن الواحد ظاهر ، فإن أراد صاحب الكتاب بقوله : «إنه تعالى ذكر الجمع فكيف يحمل الكلام على واحد معيّن» السؤال عن جواز ذلك في اللغة ، وصحّة استعماله ، فقد دلّلنا وضربنا له الأمثلة ، وإن سأل عن وجوب حمل اللفظ مع أن ظاهره للجمع على الواحد ، فالذي يوجبه هو ما ذكرناه فيما تقدّم.
فأمّا إلزامه أن يكون لفظ (الَّذِينَ آمَنُوا) على عمومه وإن دخل التخصيص في قوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) فغير صحيح ؛ لأن اختصاص الصفة التي هي إيتاء الزكاة في حال الركوع يدلّ على اختصاص صدر الكلام ؛ لأن الكل صفات الموصوف الواحد ، ألا ترى أن قائلا لو قال في وصيته : أعطوا من مالي كذا للعرب ، الذين لهم نسب في بني هاشم ؛ أو قال : لقيت الأشراف النازلين في محلّة كذا ، لم يوجب كلامه ، ولم يفهم منه إلّا تفريق ماله على من اختصّ من
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية : ١١٠. تقدّم كلامه ذيل هذه الآية فراجع.
(٢) المغني «أولا ، لا من دليل».
(٣) المغني ، ٢٠ : ١٣٤.
(٤) سورة الذاريات ، الآية : ٤٧.
(٥) سورة نوح ، الآية : ١.
(٦) سورة الحجر ، الآية : ٩.