الاستغراق خرج عن الحقيقة عند من ذكرناه من مخالفينا ولحق بالمجاز ، وانضم هذا المجاز إلى أحد المجازين المتقدّمين ، فصارا مجازين ، وعلى تأويلنا إذا سلمنا أن العبارة عن الواحد بلفظ الجمع على سبيل التعظيم يكون مجازا لا يتحصّل إلّا مجاز واحد ، فصار تأويلنا في هذه أولى من تأويله.
قال صاحب الكتاب : «وبعد ، فمن أين أن المراد بالثاني هو أمير المؤمنين عليهالسلام وظاهره يقتضي الجمع (١)؟
وليس يجب إذا روي أنه عليهالسلام تصدّق بخاتمه وهو راكع ألّا يثبت غيره مشاركا له في هذا الفعل بل (٢) يجب لأجل الآية أن يقطع (٣) في غيره بذلك وإن لم ينقل (٤) ؛ لأن نقل ما جرى هذا المجرى لا يجب ، وبعد فمن أين أن المراد بقوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ما زعموه ، دون أن يكون المراد به أنهم يؤتون الزكاة وطريقتهم التواضع والخضوع ليكون ذلك مدحا لهم في إيتاء الزكاة وإخراجا لهم (٥) من أن يؤتوها مع المن والأذى وعلى طريقة (٦) الاستطالة والتكبر ، فكأنّه تعالى مدحهم غاية المدح فوصفهم بإقامة (٧) الصلاة وبأنهم يؤتون الزكاة على أقوى وجوه القربة ، وأقوى ما تؤدى عليه الزكاة مع ما ذكرناه وليس من المدح إيتاء الزكاة مع الاشتغال بالصلاة ؛ لأن الواجب في الراكع أن يصرف همّته ونيّته إلى ما هو فيه ولا يشتغل بغيره ومتى أراد الزكاة فعلها تالية للصلاة ، فكيف يحمل الكلام على ذلك ولا يحمل على ما يمكن توفية العموم (٨) حقه معه أولى ممّا يقتضي تخصيصه ، ...» (٩).
__________________
(١) المغني «الجميع».
(٢) في المغني «بل يجب بالأثر أن نقطع على غيره بذلك».
(٣) لأجل أن لا يمتنع أن يقطع ، خ ل.
(٤) لو كان لنقل ولو من طريق ضعيف وقد روي عن أحد الصحابة أنّه قال : «لقد تصدقت بأربعين خاتما وأنا راكع لينزل فيّ ما نزل بعلي فما نزل» سفينة البحار ١ / ٣٧٨ مادة ختم).
(٥) في المغني «فاخراج حالهم».
(٦) في المغني «طريق».
(٧) في المغني «بادامة الصلاة» وما في المتن أوجه.
(٨) في المغني «ما يمكن فيه العموم».
(٩) المغني ، ٢٠ : ١٣٥.