والجار أو غيرهما من الأقسام ؛ فإنه لا يتمكن إلّا من إيراد بيت شعر أو مقاضاة إلى كتاب أو عرف لأهل اللغة ، وكلّ ذلك موجود ممكن لمن ذهب إلى أنّها تفيد الأولى ، على أنا نتبرّع بإيراد جملة تدلّ على ما ذهبنا إليه فنقول : قد ذهب أبو عبيدة معمر بن المثنى (١) ـ ومنزلته في اللغة منزلته ـ في كتابه في القرآن المعروف ب «المجاز» لما انتهى إلى قوله : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٢) أولى بكم ، وأنشد بيت لبيد عاضدا لتأويله :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه |
|
مولى المخافة خلفها وأمامها (٣) |
وليس أبو عبيدة ممن يغلط في اللغة ، ولو غلط فيها أو وهم لما جاز أن يمسك عن النكير عليه ، والردّ لتأويله غيره من أهل اللغة ممن أصاب ما غلط فيه على عادتهم المعروفة في تتبع بعضهم لبعض ، وردّ بعض على بعض ، فصار قول أبي عبيدة الذي حكيناه ـ مع أنه لم يظهر من أحد من أهل اللغة ردّ له ـ كأنّه قول للجميع ، ولا خلاف بين المفسّرين في أن قوله تعالى (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٤) إن المراد بالموالي من كان أملك بالميراث ، وأولى بحيازته ، وأحق به.
وقال الأخطل (٥) :
فأصبحت مولاها من الناس بعده |
|
واحرى قريش أن تهاب وتحمدا |
__________________
(١) أبو عبيدة معمر بن المثنّى التيمي بالولاء من العلماء باللغة والشعر والأدب ، وأيّام العرب وأخبارها قال فيه الجاحظ : «لم يكن في الأرض أعلم بجميع العلوم منه» وهو أوّل من صنّف في غريب الحديث توفّي سنة ٢٠٩.
(٢) سورة الحديد ، الآية : ١٥.
(٣) البيت من المعلّقة ، ويروى «فعدت» بالعين المهملة ، أي أنّها خائفة من كلا جانبيها ، من خلفها وأمامها ، والفرج : الواسع من الأرض ، والفرج أيضا : الثغر ، والثغر موضع المخافة ، ومولى المخالفة معناه وليّ المخالفة ، أي الموضع الذي فيه المخالفة ؛ (انظر شرح المعلّقات العشر للتبريزي ص ١٥٠).
(٤) سورة النساء ، الآية : ٣٣.
(٥) الأخطل : غياث برغوث التغلبي.