فأمّا الاشفاق والرحمة فليس يجوز أن يكون عليهالسلام أشفق علينا وأرحم بنا بالإطلاق وفي كلّ أمر وحال ، بل لا بدّ من أن يقيّد ذلك بما يرجع إلى الدين ، فإذا قيّد به فقد عاد الأمر إلى فرض الطاعة ؛ لأنّه لا يكون بهذه الصفة إلّا من وجبت طاعته ، ولزوم الانقياد لأمره ونهيه ، وكيف لا يجب طاعة من يقطع على أنه لا يختار لنا ويدعونا إلّا إلى ما هو أصلح لنا في ديننا وأعود علينا وأدخل في حسن النظر لمعادنا ، وكان صاحب الكتاب عبّر عن التقرير لفرض الطاعة بلفظ آخر يقوم مقامه ؛ لأنّه لا فرق بين أن يقول : إنّه أولى بأن نطيعه وننقاد له ، وبين أن يقول : إنه أولى بالإشفاق علينا ، وحسن النظر فيما يرجع إلى ديننا ؛ لأنّ الوصف الذي لا يثبت إلّا لمفترض الطاعة كالوصف بفرض الطاعة ، وهذه الصفة يعني الاشفاق وحسن النظر في الدين ، حاصلة للإمام عندنا ، فكيف يقال : ان اللفظ لا يليق بالإمامة ، ويليق بمقتضى النبوّة؟
وقوله : «ليس بمقصود» لا يغني شيئا ؛ لأنا قد ذكرنا أن أحدا لم يجعله غير مقصود ، وأبطلنا شبهة من حمله على خلاف التقرير بفرض الطاعة ، وبيّنا أن الذي ذكره من الوجهين ؛ إما أن يكون بعض ما وجبت له فيه الطاعة والانقياد أو إثبات صفة لا تحصل إلّا لمن تجب طاعته ، فكأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا صرنا إلى ما ذكره صاحب الكتاب قرّرهم في المقدّمة (١) بإحدى الصفتين اللتين قد بينّا أنهما لا تحصلان إلّا لمفترض الطاعة ، وإذا أوجب لغيره في الكلام مثل ما وجب له في المقدّمة فقد حصلت له البغية ؛ لأن من تجب طاعته على الخلق في سائر أمور الدين لا يكون إلّا الإمام إذا لم يكن نبيّا.
وقوله : «لا يطلق في النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إنه إمام ، كما لا يطلق أنه كذا وكذا» لا نحتاج إلى مضايقته فيه ، وإن كان غير ممتنع إطلاق كون الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إماما لنا بمعنى أنه يجب علينا الاقتداء به ، والامتثال لأوامره ؛ لأنا لم نسمه (٢) القول بأن
__________________
(١) قرّرهم أي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في المقدّمة وهي قوله : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم».
(٢) لم نسمه : لم نكلفه.