وقال في الجواب : «إنا لا نسلّم ان المراد بالمقدّمة معنى الإمامة بل معنى النبوّة» ، وهذا عدول ظاهر عمّا سأل نفسه عنه ، على أنه قد فسّر ما ذهب إليه ، وادّعى أن المراد ببعض ما يشتمل عليه وجوب الطاعة ؛ لأن بيان الشرع أحد ما يطاع فيه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا خلاف في أن طاعته واجبة في كلّ ما يأمر به ، وينهى عنه ، سواء كان بيان شرع أو غيره ، وإنّما وجب أن يطيعوه في بيان الشرع من حيث كانت طاعته واجبة عليهم في كلّ أمر على العموم.
وبعد ، فإن صاحب الكتاب ادّعى أن ظاهر اللفظ يقتضي أنه أولى بهم في أمر يشاركونه فيه ، وفسّر ذلك بما لا اشتراك فيه ؛ لأن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان مبيّنا للشرع ، والأمة قائمة بما بيّنه لهم ، فلم تشاركه الأمة في صفة واحدة ؛ لأن البيان الذي يختصّ هو عليهالسلام به لا يشاركه فيه الامة ، وليس يكون قيامهم بالشرع مشاركة له في البيان.
فإن قنع صاحب الكتاب لنفسه بما ذكره فمثله في مقتضى الإمامة ؛ لأن الإمام من حيث وجبت طاعته يقيم في الأمة الأحكام ويأمرهم وينهاهم ، فيكون الأوامر من جهته والامتثال من جهتهم ، وقد دلّلنا فيما تقدّم على أن تصرّف الإمام لطف في فعل الواجبات والامتناع من المقبّحات ، وهذا مثل ما ذكره من الاشتراك ؛ لأن الامتناع من القبيح وفعل الواجب من جهة المكلّفين ، وما هو لطف فيهما من جهته ، وقد دلّلنا أيضا على أن الإمام حجّة في بيان الشرع وإن كان يخالف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من حيث كان النبيّ مبيّنا للشرع ومبتدئا بغير واسطة من البشر ، وما نطق صاحب الكتاب بحمل نفسه على القول بأن التقرير اختصّ ببيان الشرع مع هذه المزيّة المخصوصة ؛ لأن شبهته في ذلك الاشتراك في الصفة ، وقد بيّنا أنها تدخل في مقتضى الإمامة من الوجوه الثلاثة (١) التي لو لم يثبت منها إلّا ما لا خلاف فيه من وجوب طاعة الإمام ، ولزوم الدخول تحت أحكامه ممّا يقتضي الاشتراك على الوجه الذي ذكره لكان فيه كفاية في رفع كلامه.
__________________
(١) وهي الأوامر من جهة الإمام ، والامتثال من جهة الامة ، وكون تصرّف الإمام لطف لهم في الأمر بالحسن والنهي عن القبيح.