خالف الظاهر ، فإن قالوا : قد دخل فيما ذكرتموه وجوب الطاعة وذلك يصحّح ما قلناه ، قيل لهم : إنه وإن كان كذلك فليس هو المقصود وإن كان تابعا له ، وإنّما قدحنا بما ذكرناه في قولكم ؛ لأنكم جعلتموه المقصود ، وعلى هذا الوجه لا يطلق في الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه إمام على ظاهر ما يقولون في إمام الزمان ، وإنّما يطلق ذلك بمعنى الاتباع ؛ لأن الإمامة عبارة عن أمور مخصوصة لا زيادة فيها ولا نقصان ، فلا يجب ـ وإن كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يقوم بما يقوم به الإمام ـ أن يوصف بذلك على الوجه الذي ذكرناه ، كما لا يوصف بأنه أمير وساع وحاكم ، وإن كان يقوم بما يقوم به جميعهم ، وليس يمتنع في اللفظ أن يفيد معنى من المعاني إذا انفرد فإذا كان داخلا في غيره لم يقع الاسم عليه ، وهذا كثير في الأسماء ، وإذا لم يصحّ أن يراد بقوله : «ألست أولى بكم منكم بأنفسكم» معنى الإمامة فقد بطل ما ادّعوه ، على أن كثيرا ممّن تقدّم من شيوخنا ينكر أن تكون هذه المقدّمة ثابتة بالتواتر ويقول : إنها من باب الآحاد ، والثابت هو قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كنت مولاه» إلى آخر الخبر ، وهو الذي كرره أمير المؤمنين عليهالسلام في مجالس عدّة عند ذكر مناقبه ، ...» (١).
يقال له : أوّل ما نقوله : انا لا نعلم أحدا تقدم أو تأخّر ممّن تكلّم في تأويل خبر الغدير خالف في أن مراد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمقدّمة هو التقرير لوجوب فرض طاعته على الأمة في سائر الأمور من غير تخصيص لبيان شرع من غيره ، كما لم يخالف أحد في أن قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٢) المراد به أولى بتدبيرهم ، وبأن يطيعوه وينقادوا لأوامره ، ومعلوم أن التقرير الواقع بالمقدّمة في خبر الغدير مطابق لما أوجبه الله تعالى للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الآية ، وموافق لمعناها ، ومع هذا فقد أجاب صاحب الكتاب عن غير ما سأل عنه ؛ لأنّه ألزم نفسه في السؤال أن يكون المراد فرض الطاعة من غير إضافة إلى إمامة أو غيرها ، وفرض الطاعة لا يختلف في الإمام والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
__________________
(١) المغني ، ٢٠ : ١٥٠ و ١٥١.
(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٦.