وإنما يحتاج إليها في الطريقة الأولى التي اعتمدناها ، وطريق إثباتها واضح بما أوردناه ، ويمكن أن يستدل على الإمامة بالخبر من وجه آخر لا يفتقر إلى المقدّمة وهو أن يقال : قد ثبت أن من جملة ما يحتمله لفظة «مولى» من الأقسام معنى الإمام بما دلّلنا عليه من قبل ، ووجدنا كلّ من ذهب إلى أن لفظ خبر الغدير يحتمل معنى الإمامة ، وأن لفظة «مولى» يقتضيها في جملة أقسامها يذهب إلى أن الإمامة هي المرادة بالخبر ، وهذه طريقة قوية يمكن أن تعتمد.
قال صاحب الكتاب : «على أن ذلك لو صحّ وثبت أن المراد به ما قالوه لم يجب فيما تعقبه من الجملة أن يراد به ذلك ، بل يجب أن يحمل على ما يقتضيه لفظه ، فإن كل لفظه يقتضي ما ذكروه فلا وجه لتعلّقهم بالمقدّمة ، وإن كان لا يقتضي ذلك لم يصر مقتضيا له لأجل المقدّمة ، وإنّما قدّم صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك ليؤكد ما يريد أن يبيّن لهم من وجوب موالاته عليهالسلام وموالاة أمير المؤمنين عليهالسلام ؛ لأن العادة جارية فيمن يريد أن يلزم غيره أمرا عظيما في نفسه أن يقدّم مثل (١) هذه المقدّمات تأكيدا لحق الرجل الرئيس السيد الذي يريد إلزام قومه أمرا ، فيقول لهم : ألست القائم بأموركم والذاب عنكم (٢) والناصر لكم ، والمنعم عليكم ، فإذا قالوا : نعم فيقول عنده : فافعلوا كيت وكيت ، وإن كان ما أمرهم به ثانيا لا يتّصل بما أمرهم أولا ولا يكون لتقديم ذلك حكمة ، وعلى هذا الوجه قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما أنا لكم مثل الوالد فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول» فقدّم صلىاللهعليهوآلهوسلم عند إرادته بيان ما يختصّ بحال الخلوة ، وما يدلّ على إشفاق وحسن نظر. فكذلك القول فيما ذكرناه ، ولو أن الذي ذكرناه صرّح به لكان خارجا من العبث صلىاللهعليهوآلهوسلم ليسلم من العيب بأن يقول : ألست أولى بكم في بيان الشرع لكم ، وما يجب عليكم ، وما يحلّ عليكم ، وما يحرم فإذا كنت كذلك في باب الدين فمن يلزمه موالاتي باطنا وظاهرا بالإعظام والمدح والنصرة فليوال عليا على هذا الحد ، لكان الكلام حسنا مستقيما يليق
__________________
(١) في المغني «قبل هذه».
(٢) «الذاب عنكم» ساقطة من المغني ، كما أن فيه «القيم» مكان «القائم».