بعضه ببعض ، وإنّما كان يجب ما ذكروه لو كان متى حملت الجملة الثانية على ما قلناه نبت (١) عن الجملة الأولى ونافرتها ، فأمّا إذا كانت الحال ما ذكرناه فهو مستقيم لا خلل فيه ، ...» (٢).
يقال له : قد مضى في جملة ما قدّمناه من الكلام ما يبطل معاني فصلك هذا ، فأما نفيك لأن يكون الكلام مقتضيا لما ذكرناه لأجل المقدّمة ، وقولك : «يجب أن يحمل على ما يقتضيه لفظه من غير مراعاة للمقدّمة» فغير صحيح ؛ لأنّك أن أردت بذلك الاقتضاء على سبيل الاحتمال لا على الإيجاب فاللفظ ليس يصير لأجل المقدّمة مقتضيا فغير ما كان مقتضيا له ، وإن أردت بالاقتضاء الإيجاب ، فقد بيّنا أن بورود المقدّمة لا بدّ من تخصيص اللفظ الوارد من بعدها بمعناها ، وضربنا له الأمثال ، وممّا يبيّن صحّة ما ذكرناه أن قول القائل : عبدي حرّ وله عبيد كثير ، لفظه محتمل مشترك بين سائر عبيده ، فإذا قال بعد أن يقرر بمعرفة بعض عبيده ممّن يسمّيه ويعيّنه : فعبدي حرّ ، كان كلامه الثاني محمولا على سبيل الوجوب على العبد الذي قدم تعيينه وتعريفه ، وصار قوله : فعبدي حرّ إذا ورد بعد المقدّمة مقتضيا على سبيل الإيجاب لما لو لم يحصل لم يكن مقتضيا له على هذا الوجه ، وإن كان يقتضيه على طريق الاحتمال.
وأمّا قوله عليهالسلام : «إنّما أنا لكم مثل الوالد» إلى آخر الخبر ، فغير معترض على كلامنا ؛ لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يورد في الكلام الثاني لفظا يحتمل معنى الكلام المتقدّم ، وأراد به خلاف معناه ، والذي أنكرناه في خبر الغدير غير هذا ؛ لأنّه لو لم يرد بلفظة «مولى» معنى «أولى» لكان قد أورد لفظا محتملا لما تقدّم من غير أن يريد به معنى المتقدّم ، وفساد ذلك ظاهر ، وليس ينكر أن يكون صلىاللهعليهوآلهوسلم لو صرّح بما ذكره صاحب الكتاب على سبيل التقدير مفيدا فكلامه خارج عن العبث إلّا أنه متى لم يصرّح بذلك وأورد اللفظ المحتمل فلا بدّ من أن يكون مراده ما ذكرناه ، كما أن القائل إذا أقبل على جماعة وقال لهم : ألستم تعرفون ضيعتي
__________________
(١) نبت : تباعدت ، وفي «المغني» انتفت ، والمنافرة : التجافي والتباعد. پ.
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٥١.