يقال له : إن الكلام في إلزامنا حمل الخبر على إيجاب الإمامة في الحال فقد مضى مستقصى ، والذي يبطل قول من ألزمنا وجوب النصّ به بعد عثمان ما تقدّم أيضا عند كلامنا في النصّ الجلي ، وهو أن الأمة مجمعة على أن إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام بعد قتل عثمان لم تحصل له بنصّ من الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم تناول تلك الحال ، واختصّ بها دون ما تقدّمها ، ويبطله أيضا أن كلّ من أثبت لأمير المؤمنين عليهالسلام النصّ على الإمامة بخبر الغدير أثبته على استقبال وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من غير تراخ عنها.
فأمّا الأخبار التي أوردها على سبيل المعارضة فالإضراب عن ذكرها ، وترك تعاطي الانتصاف من المستدلّين بخبر الغدير لها أستر على موردها ، وأوّل ما في هذه الأخبار أنّها لا تساوي ولا تداني خبر الغدير في باب الصحّة والثبوت ، ووقوع العلم ؛ لأنا قد بيّنا فيما تقدّم تواتر النقل بخبر الغدير ووقوع العلم به لكلّ من صحّح الأخبار ، وأنه ممّا أجمعت الأمة على قبوله ، وإن كانوا مختلفين في تأويله (١) وليس شيء من هذا في الأخبار التي ذكرها ، على أن أصحابنا قديما قد تكلّموا على هذه الأخبار ، وبيّنوا أن حديث الخلّة يناقض ويبطل آخره أوله ؛ لأنهم يروون عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «لو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت فلانا خليلا ولكن ودّا واخاء إيمان» فأول الخبر يقتضي أن الخلة لم تقع ، وآخره يقتضي
__________________
(١) أحصى شيخنا الأميني في الجزء الأول من الغدير رواة حديث الغدير فكانوا مائة وعشرة من الصحابة وأربعة وثمانين من التابعين وثلاثمائة وسبعة وخمسين من العلماء ومعظمهم بل جميعهم من علماء السنّة وأحصى من أفرد التأليف في الغدير من علماء الفريقين فكانوا ستّة وعشرين عالما ، وقال ابن كثير في البداية والنهاية ٥ / ٢٠٨ «وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه ، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة ، وقال القندوزي في ينابيع المودّة ص ٣٦ : حكي عن أبي المعالي الجويني الملقّب بإمام الحرمين أستاذ أبي حامد الغزالي رحمهماالله كان يتعجّب ويقول : رأيت مجلّدا في بغداد في يد صحّاف فيه روايات خبر غدير خم مكتوب عليه : المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (من كنت مولاه فعليّ مولاه) «ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون».