على أن يقولوا : إنه الظاهر من الكلام؟ ومن عجيب الأمور في هذا المستدلّ أنه ذكر في الخبر سائر الأقسام وترك ما حمل شيوخنا الخبر عليه ولو اشتغل (١) بذلك لكان أولى به ، ...» (٢).
يقال له : إن الذي حكيته عن أبي مسلم لا ينكر إن يكون صحيحا ، وهو إذا صحّ لا يضرّنا ولا ينفعك ، وإن كنت قد أتبعته بشيء من عندك ليس بصحيح ، ولا خاف الفساد ؛ لأن أبا مسلم فسّر معنى الموالاة واشتقاقها ، ولم يقل : إن لفظة «ولي» أو «مولى» لا معنى لها ، ولا يحتمل إلّا الموالاة التي فسّرها بالمتابعة ، بل قد صرّح بضدّ ذلك ، ونحن نحكي كلامه بعينه في الموضع الذي نقل منه صاحب الكتاب الحكاية ، قال أبو مسلم في كتاب «تفسير القرآن» عند انتهائه إلى قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) بعد كلام قدّمه : وقد ذكرنا معنى «الولي والموالاة» في عدّة مواضع ممّا فسّرنا من السّور الماضية ، وجملة معناه أن يكون الرجل تابعا محبّة أخيه في كلّ أحواله ويملك منه ما يملكه من نفسه ، ويريد له ما يريد لها والناس يقولون فيمن يختصون من أقاربهم إذا أخبروا عنهم : هذا لي ولمن يليني ، وكأنّ المعنى مأخوذ من الموالاة بين الأشياء ، أي اتباع بعضها بعضا ، فيكون المؤمن مواليا لأخيه أي متابعا له ، ويكون المعنى في نسبة ذلك إلى الله تعالى بقوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) أي من يملككم ويلي أمركم ، ويجب عليكم طاعته واتباعه وإلى الرسول بما عطف من ذكره على الله تعالى بما فرض الله من طاعته في أدائه عن الله تعالى إذ يقول : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٣) وبما يبذله من النصح للمؤمنين وهو فوق ما يعطيه بعضهم بعضا ، كما قال الله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٤) وإنّما ينسب إلى (وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٥) ما قدّمناه من الاتّفاق بينهم وطاعة كلّ واحد منهم لصاحبه ومظافرته إيّاه على أمر الله ، وملكه من أخيه ما يملكه من نفسه فيه»
__________________
(١) في المغني «ولو استدل».
(٢) المغني ، ٢٠ : ١٥٥.
(٣) سورة النساء ، الآية : ٨٠.
(٤) سورة الأحزاب ، الآية : ٦.
(٥) سورة المائدة ، الآية : ٥٥.