هذا كلامه بألفاظه وهو يشهد بما يذهب إليه من إجراء لفظة «ولي» على من تجب طاعته والانتهاء إلى أمره على خلاف ما يريده صاحب الكتاب ، ويذهب إليه ، وإذا كان معناها وأصل اشتقاقها إذا أريد بها الموالاة يقتضيان المتابعة على ما ذكر لم يناف ذلك قولنا ولا قدح فيه ؛ لأنا قد ذكرنا فيما تقدّم أن لفظة «مولى» و «ولي» تجريان على الموالاة في الدين ، ودلّلنا على أن المراد بهما في الآية وخبر الغدير ما ذهبنا إليه دون غيره ، وفي كلام أبي مسلم ما يخالف رأي صاحب الكتاب من وجه آخر ؛ لأنّه جعل قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) موافقا لمعنى الآية التي ذكرناها في اقتضاء وجوب الطاعة والإتباع ، ومعلوم أن التقرير في مقدّمة خبر الغدير وقع بما أوجبه الله تعالى في الآية لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن المعنيين متطابقان ، وصاحب الكتاب ينكر فيما حكيناه من كلامه ونقضناه أن يكون التقرير وقع بفرض الطاعة في خبر الغدير ، وقد بيّنا أنه خلاف للامة ، وقد كان يجب عليه إذا احتجّ بكلام أبي مسلم في الموضع الذي حكاه ، وجعله قدوة فيما يرجع إلى اللغة والاشتقاق أن يلتزم جميع ما ذكره هناك ، ولا يقتصر احتجاجه على ما وافق هواه دون ما خالفه ، وليس له أن يقول : إن الخطأ يجوز على أبي مسلم في بعض كلامه دون بعض ؛ لأن ذلك إنما يجوز فيما طريقه الاستدلال ، فأمّا فيما طريقه اللغة التي لا مجال للاستدلال والقياس فيها ، وإنّما يؤخذ سماعا فإنّه لا يجوز ، لا سيّما وقد جعل قوله في معنى اللفظة واشتقاقها حجّة ، ومن كان بهذه المنزلة فيما يرجع إلى اللغة يجب أن يرجع إلى جميع قوله في معنى هذه اللفظة وتأويلها.
فأما الخطأ الذي اتبع صاحب الكتاب كلام أبي مسلم فهو اعتقاده أن الموالاة إذا كانت بمعنى المتابعة استحال حصولها من جهة واحدة ، ووجب أن لا يدخل إلّا بين اثنين ، وهذا خطأ فاحش ؛ لأن لفظة المفاعلة ليس يجب في كل موضع دخوله بين الاثنين ، وإن كان قد يدخل بينهما في أكثر المواضع ، فمن لفظة المفاعلة المستعملة في الواحد دون الاثنين قولهم : ناولت وعاقبت وظاهرت وعافاه الله ، وما يجري مجرى ما ذكرناه مما يتسع ذكره ، وقولهم :