وأيضا فإن معنى انعقاد اليمين أن يجب على الحالف فعل ما حلف أنّه يفعله أو يجب عليه أن لا يفعل ما حلف أنّه لا يفعله ، ولا خلاف أنّ الحكم مفقود في اليمين على المعصية ؛ لأنّ الواجب عليه أن لا يفعلها ، فكيف تنعقد يمين يجب عليه أن لا يفي بها وان يعدل عن موجبها؟
فان قيل : ليس معنى انعقاد اليمين ما ادّعيتم بل معناه وجوب الكفارة متى خالف أو حنث.
قلنا : هذا غير صحيح ؛ لأنّ وجوب الكفارة وحكم الحنث إنّما يتبعان انعقاد اليمين ؛ لأنّا إنّما نلزمه الكفارة لأجل خلافه ليمين انعقدت ، فكيف يفسّر الانعقاد بلزوم الكفارة وهو مبني عليه وتابع له؟ والذي يكشف عن صحّة ما ذكرناه أنّ الله تعالى أمرنا بأن نحفظ أيماننا ونقيم عليها بقوله تعالى : (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) ، وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، فاليمين المنعقدة هي التي يجب حفظها والوفاء بها ، ولا خلاف أنّ اليمين على المعصية بخلاف ذلك ، فيجب أن تكون غير منعقدة ، فاذا لم تنعقد فلا كفّارة فيها ، [فلو انعقدت اليمين على المعصية لوجب الوفاء بها بظاهر هذه الآية ، وقوله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) (٢) يدلّ على وجوب الوفاء باليمين المنعقدة وقد علمنا أن من حلف على فعل معصية يجب عليه نقض يمينه لا الوفاء بها ، فدلّ على أنها غير منعقدة] (٣).
وأيضا ، فانّ من حلف أن يفعل معصية ثم لم يفعلها هو [بأن لم يفعلها] مطيع الله عزوجل ، فاعل لما أوجبه عليه ، فكيف يجب عليه كفارة فيما أطاع الله تعالى فيه وأدّى الواجب به؟ وإنّما تجب الكفارة على من أثم بمخالفة يمينه ، وحنث لتحطّ عنه الكفارة الاثم والوزر.
فإن قيل : فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : من حلف على شيء فرأى ما هو خير منه ، فليأت الذي هو خير منه ، وليكفّر عن يمينه (٤).
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١.
(٢) سورة النحل ، الآية : ٩١.
(٣) الناصريات : ٤٠٠.
(٤) صحيح البخاري ، ٢ : ٩٩٥.