ولا يجوز أن يكون الزمان الّذي يعلم الله تعالى أنه لو لم يقتله القاتل لعاش إليه ومات فيه أجلا له [على هذا التقدير ؛ لأنه وان صحّ بضرب من التقدير أن يكون أجلا لموته فان موته لم يقع فيه ، فلا يسمى ـ والموت غير واقع فيه ـ أجلا له] ، كما لا يسمى بأنه وقت لموته ولم يقع موته فيه ؛ ولهذا لا يقال : إن للإنسان الواحد آجالا كثيرة.
وبالتقدير لا يجوز إطلاق الإسم ، كما لو قدرنا أن الله تعالى يعلم أنه إن بقي هذا المقتول رزقه الأموال والأولاد والأحوال العظيمة والولايات السنية ، أن يطلق بأن ذلك كلّه رزق له ، وإن كان لو وصل إليه لقيل : إنه رزقه.
والتعلّق بقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) في إثبات أجلين. غير صحيح ؛ لأنه تعالى لم يصرّح في الآية بأن الأجلين لأمر واحد ، ويجوز أن يريد بالأجل الأوّل أجل الموت ، وهو الّذي وقع فيه الموت ، وبالأجل الثاني أجل حياتهم في الآخرة ؛ لأن الحياة ممّا له أجل كالموت.
ويقوي هذا الوجه : أنه أعمّ الجميع بهذا القول وليس للجميع أجلا بالموت ، وإنّما هو على قول مخالفنا لبعضهم ، وحمل القول على العموم أولى ، ولا يليق العموم إلّا بما ذكرناه.
وقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) (١).
وقوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِ) وقوله تعالى حاكيا عن نوح عليهالسلام : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٢) ، لا حجّة فيه ؛ لأنه يجوز تسمية المقدّر من وقت الموت بانه أجل مجازا أو تشبيها ، فمجاز القرآن أكثر من أن يحصى ، وإنّما منعنا من أن يكون ذلك حقيقة (٣).
__________________
(١) سورة المنافقون ، الآية : ١٠.
(٢) سورة نوح ، الآيتان : ٣ ـ ٤.
(٣) الذخيرة : ٢٦١.