لا يكون إلّا محرّما؟ ألا ترى أنّ القائل إذا قال : تعال أتل عليك ما وهبت كذا وكذا ، لا بدّ أن يكون ما يعدّده ويذكره من الموهوبات ؛ وإلّا خرج الكلام من الصحّة.
والجواب عن ذلك : أنّ التحريم لمّا كان إيجابا وإلزاما أتى ما بعده من المذكورات على المعنى دون اللفظ بذكر الأمور الواجبات والمأمورات للاشتراك في المعنى. وأيضا فإنّ في الإيجاب والإلزام تحريما ؛ ألا ترى أنّ الواجب محرّم الترك ، وكلّ شيء ذكر بعد لفظ التحريم على بعض الوجوه تحريم.
فإن قيل : ألّا حملتم الآية على ما حملها قوم من أنّ لفظة «لا» زائدة في قوله : «ألّا تشركوا» ، فكأنّه عزوجل حرّم أن تشركوا به ؛ واستشهد على زيادة «لا» بقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (١) ، وبقول الشاعر :
فما ألوم البيض ألا تسخرا |
|
لما رأين الأسمط القفندرا |
وبقول الشاعر :
ألا يا لقوم قد أشطّت عواذلي |
|
ويزعمن أن أودى بحقّي باطلي |
ويلحينني في اللهو إلا أحبّة |
|
وللهو داع دائب غير غافل |
قلنا : قد أنكر كثير من أهل العربية زيادة «لا» في مثل هذا الموضع ، وضعّفوه وحملوا قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) على أنّه خارج على المعنى ؛ والمراد به : ما دعاك إلى ألا تسجد! وما أمرك بألّا تسجد! لأنّ من منع من شيء فقد دعي إلى ألّا يفعل.
ومتى حملنا قوله تعالى : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) على أنّ لفظة «لا» زائدة ـ على تضعيف قوم لذلك ـ فلا بدّ فيما اتّصل به هذا الكلام من تقدير فعل آخر ؛ وهو قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ؛ لأنّ ذلك لا يجوز أن يكون معطوفا على المحرّم ؛ ولا بدّ من إضمار : «ووصينا بالوالدين إحسانا». وإذا احتجنا إلى هذا
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٢.