[استدلّ القائلون بقدم كلامه تعالى بهذه الآية ، قالوا : إنه تعالى فصل في هذه الآية بين الخلق والأمر.] ولو كان الأمر مخلوقا لم يصحّ هذا الفصل والتمييز (١).
يقال لهم : ما أنكرتم أن يكون معنى الأمر غير ما ظننتم من الكلام المخصوص ، وأن يكون فائدة الكلام له تعالى أن يخلق ويفعل ما يشاء من غير اعتراض ولا منازعة ، كما يقال في أحدنا إذا كان قادرا قاهرا لا يعارض ولا ينازع : «لفلان الأمر» ، ولا نقصد بذلك إلى أنّ له كلاما.
وبعد ، فقد يفرد الشيء بالذكر عن الجملة الواقعة عليه وعلى غيره تفخيما وتعظيما ، كقوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) (٢) ، فأفردهما عن الملائكة لهذا الوجه ، فما المانع من أن يفرد الأمر الذي هو القرآن عن جملة المخلوقات لعظيم شأنه وجلالة قدره؟ ويلزمهم على هذه الشبهة أنّ الإحسان ليس بعدل ، وإيتاء ذي القربى ليس من العدل والإحسان ؛ لأنّه تعالى قال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى) (٣) ففصّل بين الجميع.
وقد يقول أحدنا : إنّ الله تعالى يأمر بالقول والعمل ، والإيمان قول وعمل ، وإن كان القول داخلا في جملة العمل ، وإنّما أفرد لبعض الأغراض ، وقال الله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ) (٤) وهذا العطف والفصل ـ على ما اعتمدوه ـ يقتضي أنّ كلام الله غير الله ، ويوجب أن لا يشتركا في القدم ؛ لأنّه إذا جاز مع هذا العطف أن يشتركا في القدم ولا يتغايرا ، جاز أن يكون الخلق والأمر يشتركان في الحدوث ولا يتغايران مع الفصل في اللفظ بينهما (٥).
__________________
(١) الملخص ، ٢ : ٤٢٩.
(٢) سورة البقرة ، الآية : ٩٨.
(٣) سورة النحل ، الآية : ٩٠.
(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٨.
(٥) الملخص ، ٢ : ٤٤٠.