ومنها : قوله تعالى : (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (١) لأنّ إضافة ذلك إلى السفهاء تدلّ على أنّه كان بسببهم ومن أجلهم ؛ وإنّما سألوا ما لا يجوز عليه.
ومنها : ذكر الجهرة في الرؤية ، وهي لا تليق إلّا برؤية البصر دون العلم ؛ وهذا يقوّي أنّ الطلب لم يكن للعلم الضروريّ ، على ما سنذكره في الجواب الثاني.
ومنها : قوله : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ؛ لأنّا إذا حملنا الآية على طلب الرؤية لقومه أمكن إن يحمل قوله : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) على حقيقته : فإذا حملت الآية على طلب العلم الضروريّ احتيج إلى حذف في الكلام ، ويصير تقديره : أرني أنظر إلى الآيات التي عندها أعرفك ضرورة.
ويمكن في هذا الوجه الأخير خاصة أن يقال : إذا كان المذهب الصحيح عندكم هو أنّ النظر في الحقيقة غير الرؤية ، فكيف يكون قوله : (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) حقيقة في جواب من حمل الآية على طلب الرؤية لقومه؟.
فإن قلتم : لا يمتنع أن يكونوا التمسوا الرؤية التي يكون معها النظر والتحديق إلى الجهة ، فسأل على حسب ما التمسوا.
قيل لكم : هذا ينقض فرقكم في هذا الجواب بين سؤال الرؤية ، وبين سؤال جميع ما يستحيل عليه من الصاحبة والولد ؛ وما يقتضي الجسمية بأن تقولوا : الشكّ في الرؤية لا يمنع من صحّة معرفة السمع ، والشكّ في جميع ما ذكر يمنع من ذلك ؛ لأنّ الشكّ الذي لا يمنع من معرفة صحّة السمع إنّما هو في الرؤية التي لا يكون معها نظر ، ولا تقتضي التشبيه.
فإن قلتم : يحمل ذكر النّظر على أنّ المراد به نفس الرؤية على سبيل المجاز ؛ لأنّ من عادة العرب أن يسمّوا الشيء باسم الطريق إليه ، وما قاربه وداناه.
قلنا : فكأنّكم عدلتم من مجاز إلى مجاز ؛ فلا قوّة في هذا الوجه ؛ والوجوه التي ذكرناها في تقوية هذا الجواب المتقدّمة أولى.
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٥.