وليس لأحد أن يقول : لو كان عليهالسلام إنّما سأل الرؤية لقومه لم يضف السؤال إلى نفسه فيقول : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ولا كان الجواب مختصّا به ؛ وهو قوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) ، وذلك لأنّه غير ممتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه ؛ مع أنّ المسألة كانت من أجل الغير ؛ إذ كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس وتزيل الشبهة. فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع له : أسألك أن تفعل بي كذا ، وتجيبني إلى كذا. ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفّعتك ، وما جرى مجرى ذلك ؛ وإنّما حسن هذا لأنّ للسائل في المسألة غرضا ، وإن رجعت إلى الغير فتحقّقه بها وتكلّفه كتكلّفه إذا اختصّه ولم يتعدّه.
فإن قيل ؛ كيف يجوز منه عليهالسلام مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالى أن يسأل فيها لقومه! ولئن جاز ذلك ليجوزنّ أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه تعالى من كونه جسما ، وما أشبهه متى شكّوا فيه.
قلنا : إنّما صحّ ما ذكرناه في الرؤية ولم يصحّ فيما سألت عنه ؛ لأنّ مع الشك في جواز الرؤية التي لا تقتضي كونه جسما يمكن معرفة السمع ، وأنّه تعالى صادق في أخباره ، فيصحّ أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكّوا في صحّته وجوازه ؛ ومع الشكّ في كونه جسما لا يصحّ معرفة السمع ، فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم.
وقد قال بعض من تكلّم في هذه الآية : قد كان جائزا أن يسأل موسى عليهالسلام لقومه ما يعلم استحالته ؛ وإن كانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان المعلوم أنّ في ذلك صلاحا للمكلّفين في الدين ، وإنّ ورود الجواب يكون لطفا لهم في النظر في الأدلة ، وإصابة الحقّ منها ؛ غير أنّ من أجاب بذلك شرط أن يبيّن النبيّ عليهالسلام في مسألته علمه باستحالة ما سأله ، وأنّ غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفا.
والجواب الثاني في الآية : أن يكون موسى عليهالسلام إنّما سأل ربّه أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة ، التي [يضطر عندها] (١) إلى المعرفة ،
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من تنزيه الأنبياء والأئمّه : ١١٤.