فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ، ويستغني عن الاستدلال ، فتخفّ المحنة عليه بذلك ؛ كما سأل إبراهيم عليهالسلام ربّه تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى طلبا لتخفيف المحنة ؛ وإن كان قد عرف ذلك قبل أن يراه ؛ والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإنّ الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر ، [قال الشاعر :
رأيت الله إذ سمّى نزرا |
|
وأسكنهم بمكّة قاطنينا] (١) |
وذلك أظهر من أن يستدلّ عليه أو يستشهد عليه ؛ [لاشتهاره ووضوحه] (٢) فقال له «جلّ وعزّ» : (لَنْ تَرانِي) أي لن تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته مني ، ثم أكّد تعالى ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دلّ به على أنّ إظهار ما تقع به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز ، وأنّ الحكمة تمنع منه.
والوجه الأول أولى لما ذكرناه من الوجوه ؛ ولأنّه لا يخلو موسى عليهالسلام من أن يكون شاكّا في أنّ المعرفة الضرورية لا يصحّ حصولها في الدنيا أو عالما بذلك. فإن كان شاكّا فهذا ممّا لا يجوز على [الأنبياء عليهمالسلام] (٣) ؛ لأنّ الشكّ فيما يرجع إلى أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم ، ولا سيما [وقد يجوز أن يعلم ذلك على حقيقته] (٤) بعض أمتهم ، فيزيد عليهم في المعرفة ؛ وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شيء يمنع منه فيهم. وإن كان عالما فلا وجه لسؤاله إلّا أن يقال : إنّه سأل لقومه ، فيعود إلى معنى الجواب الأول.
والجواب الثالث في الآية : ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال : يجوز أن يكون موسى عليهالسلام في وقت مسألته ذلك كان شاكّا في جواز الرؤية على الله تعالى ؛ فسأل عن ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا. قال : وليس شكّه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالى بصفاته ، بل يجري مجرى شكّه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الأعراض في أنّه
__________________
(١ و ٢ و ٣ و ٤) ما بين المعقوفتين من تنزيه الأنبياء والأئمّة : ١١٤.