فإن قيل : فإذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خارجا عن العتاب فما معنى قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى)؟
قلنا : الوجه في ذلك أنّ الأصحاب إنّما أسروهم ليكونوا في يده صلىاللهعليهوآلهوسلم. فهم أسراؤه على الحقيقة ومضافون إليه ، وإن كان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه.
فإن قيل : أفما شاهدهم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وقت الأسر فكيف لم ينههم عنه؟
قلنا : ليس يجب أن يكون صلىاللهعليهوآلهوسلم مشاهدا لحال الأسر ؛ لأنّه كان على ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش ، ولمّا تباعد أصحابه عنه أسروا من أسروه من المشركين بغير علمه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فإن قيل : فما بال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأمر بقتل الأسارى لمّا صاروا في يده وإن كان خارجا من المعصية وموجب العتاب ، أو ليس لمّا استشار أصحابه فأشار عليه أبو بكر باستبقائهم وعمر باستيصالهم رجع إلى رأي أبي بكر ، حتى روي أن العتاب كان من أجل ذلك؟
قلنا : أمّا الوجه في أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يقتلهم فظاهر ؛ لأنّه غير ممتنع أن تكون المصلحة في قتلهم وهم محاربون ، وأن يكون القتل أولى من الأسر ، فإذا أسروا تغيّرت المصلحة وكان استبقاؤهم أولى ، والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يعمل برأي أبي بكر إلّا بعد أن وافق ذلك ما نزل به الوحي عليه. وإذا كان القرآن لا يدلّ بظاهر ولا فحوى على وقوع معصية منه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا الباب فالرواية الشاذة لا يعوّل عليها ولا يلتفت إليها.
وبعد : فلسنا ندري من أي وجه تضاف المعصية إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم في هذا الباب ؛ لأنّه لا يخلو من أن يكون أوحى إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم في باب الأسارى بأن يقتلهم ، أولم يوح إليه فيه بشيء ، ووكّل ذلك إلى اجتهاده ومشورة أصحابه ، فإن كان الأوّل فليس يجوز أن يخالف ما أوحي إليه ، ولم يقل أحد أيضا في هذا الباب : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم خالف النصّ في باب الأسارى ، وإنّما يدّعى عليه : أنه فعل ما كان الصواب عند الله خلافه ، وكيف يكون قتلهم منصوصا عليه بعد الأسر وهو