أنّه صائر إليه ، أو منتقل إلى قراره ؛ وهذا الجواب قد روي معنى أكثره عن قوم من متقدّمي المفسّرين ، وذكره أبو عليّ الجبّائي أيضا.
ورابعها : [جواب] يحكى عن الحسن البصريّ ، واختاره الطبريّ وقدّمه على غيره ، وهو أن يكون المراد بذلك ما ألزمه هؤلاء الكفّار من الفرائض والحقوق في أموالهم ؛ لأنّ ذلك يؤخذ منهم على كره ، وهم إذا أنفقوا فيه أنفقوا بغير نيّة ولا عزيمة فتصير نفقتهم غرامة وعذابا من حيث لا يستحقّون عليها أجرا.
[أقول] : وهذا وجه غير صحيح ؛ لأنّ الوجه في تكليف الكافر إخراج الحقوق من ماله كالوجه في تكليف المؤمن ذلك ؛ ومحال أن يكون إنّما كلّف إخراج هذه الحقوق على سبيل العقاب والجزاء ؛ لأنّ ذلك لا يقتضي وجوبه عليه ؛ والوجه في تكليف الجميع هذه الأمور هو المصلحة واللطف في التكليف.
ولا يجري ذلك مجرى ما قلناه في الجواب الذي قبل هذا ؛ من أنّ المصائب والغموم تكون للمؤمنين محنة ، وللكافرين عقوبة ؛ لأنّ تلك الأمور ممّا يجوز أن يكون وجه حسنها للعقوبة والمحنة جميعا ؛ ولا يجوز في هذه الفرائض أن يكون لوجوبها على المكلّف إلّا وجه واحد ، وهو المصلحة في الدّين ، فافترق الأمران.
وليس لهم أن يقولوا : ليس التعذيب في إيجاب الفرائض عليهم ؛ وإنّما هو لإخراجهم أموالهم على وجه التكرّه والاستثقال ؛ وذلك أنّه إذا كان الأمر على ما ذكروه وخرج من أن يكون مرادا لله تعالى ؛ لأنّه جلّ وعز ما أراد منهم إخراج المال على هذا الوجه ، بل على الوجه الذي هو طاعة وقربة ؛ فإذا أخرجوها متكرّهين مستثقلين لم يرد ذلك ؛ فكيف يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها)! ويجب أن يكون ما يعذّبون به شيئا يصحّ أن يريده الله تعالى.
وجميع هذه الوجوه التي حكيناها في الآية ـ إلّا جواب التقديم والتأخير ـ مبنيّة على أنّ الحياة الدنيا ظرف للعذاب ؛ فتحمّل كل متأوّل من القوم ضربا من التأويل ؛ طابق ذلك.