فإن قيل : فما تنكرون من ذلك ، ولعلّ الوعد كان من الابن للأب بالاستغفار ، وإنّما وعده به ؛ لأنه أظهر له الإيمان؟
قلنا : ظاهر الآية يمنع من ذلك ؛ لأنّه تعالى قال : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) فعلّل حسن الاستغفار بالموعدة ، ولا يكون الموعدة مؤثّرة في حسن الاستغفار إلّا بأن يكون من الأب للابن بالإيمان ؛ لأنّها إذا كانت من الابن لم يحسن له الاستغفار ؛ لأنّه إن قيل : إنّما وعده الاستغفار لاظهاره له الإيمان ، فالمؤثّر في حسن الاستغفار هو إظهار الإيمان لا الموعدة.
فإن قيل : أفليس إسقاط عقاب الكفر والغفران لمرتكبه كانا جائزين من طريق العقل ، وإنّما منع منه السمع ، وإلّا جاز أن يكون إبراهيم عليهالسلام إنّما استغفر لأبيه ؛ لأنّ السمع لم يقطع له على عقاب الكفار وكان باقيا على حكم العقل ، وليس يمكن أن يدّعي أنّ ما في شرعنا من القطع على عقاب الكفّار كان في شرعه ؛ لأنّ هذا لا سبيل إليه؟.
قلنا : هذا الوجه كان جائزا لو لا ما نطق به القرآن من خلافه ؛ لأنّه تعالى لمّا قال : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١) قال عاطفا على ذلك : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) فصرّح بعلّة حسن إستغفاره ، وأنّها الموعدة. ولو كان الوجه في حسن الاستغفار على ما تضمّنه السؤال ، لوجب أن يعلّل استغفاره لأبيه بأنه لم يعلم أنّه من أهل النار لا محالة ، ولم يقطع في شرعه على عقاب الكفّار. والكلام يقتضي خلاف هذا ، ويوجب أنّه ليس لإبراهيم عليهالسلام من ذلك ما ليس لنا ، وأنّ عذره فيه هو الموعدة دون غيرها.
وقد قال أبو علي بن محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي في تأويل الآية الّتي في
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية : ١١٣.