ومثله :
أحبّ اللّواتي في صباهنّ غرّة |
|
وفيهنّ عن أزواجهنّ طماح (١) |
مسرّات حبّ مظهرات عداوة |
|
تراهنّ كالمرضى وهنّ صحاح |
ومثله :
يكتبين الينجوج في كبد المش |
|
تي وبله أحلامهنّ وسام (٢) |
أمّا قوله : «يكتبين» فمأخوذ من لفظ الكباء ، وهو العود ، أراد يتبخّرن به ، والينجوج هو العود ، وفيه ست لغات : ينجوج ، وأنجوج ، ويلنجوج ، وألنجوج ، وألنجج ، ويلنجج.
فأمّا كبد المشتي ، فهو ضيقته وشدّته ، ومنه قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٣) ؛ وقد روي : «في كبّة المشتى» والمعنى متقارب ، لأنّ الكبّة هي الصدمة ، مأخوذ من كبّة الخيل ؛ وأمّا الوسام فهنّ الحسان من الوسامة ، وهي الحسن.
ويمكن أن يكون في البله جواب آخر : وهو أن يحمل على الخبر معنى البله الذي هو الغفلة والنقصان في الحقيقة ، ويكون معنى الخبر : أنّ أكثر أهل الجنة الذين كانوا بلها في الدنيا ، فعندنا أنّ الله ينعم الأطفال في الجنّة والمجانين والبهائم ، وإنّما لم نجعلهم بلها في الجنة وإن كان ما يصل إليهم من النعيم على سبيل العوض أو التفضّل لا يفتقر إلى كمال العقل لأنّ الخبر ورد بأنّ الأطفال والبهائم إذا دخلوا الجنّة لم يدخلوها إلّا وهم على أفضل الحالات وأكملها ، ولهذا صرفنا البله عنهم في الجنة ، ورددناه إلى أحوال الدنيا ، وإلّا فالعقل لا يمنع من ذلك كمنعه إياه في باب الثواب والعقاب (٤).
__________________
(١) البيتان في مصارع العشاق ٣٤٧ ، وعزاهما إلى بعض الأعراب ، ورواية البيت الأول فيه :
أحبّ اللواتي هنّ من ورق الصّبا |
|
ومنهنّ عن أزواجهنّ طماخ |
ويقال : طمح ببصره ؛ إذا رمى به ، وفي حاشية بعض النسخ : «صماح : شماس».
(٢) البيت لأبي دؤاد الإيادي ، وهو في الأصمعيات ٦٨ ، وفي حاشية الأصل : «أي عقولهن بله ، وهن وسام ، وواحد الوسام وسيم».
(٣) سورة البلد ، الآية : ٤.
(٤) الأمالي ، ١ : ٦٤.