الجواب : قلنا : في هذه الآية وجوه :
أوّلها : أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول نفي النّسب ، وإنّما نفى أن يكون من أهله الذين وعد بنجاتهم ؛ لأنّه عزوجل كان وعد نوحا عليهالسلام بأن ينجّي أهله ، ألا ترى إلى قوله : (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) (١) ، فاستثنى تعالى من أهله من أراد إهلاكه بالغرق! ويدلّ عليه أيضا قول نوح : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) ، وعلى هذا الوجه يتطابق الأمران ولا يتنافيان ؛ وقد روي هذا التأويل بعينه عن ابن عباس وجماعة من المفسّرين.
والجواب الثاني : أن يكون المراد بقوله تعالى : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي أنه ليس على دينك ؛ وأراد تعالى أنّه كان كافرا مخالفا لأبيه ؛ فكأنّ كفره أخرجه من أن يكون له أحكام أهله ؛ ويشهد لهذا التأويل قوله تعالى على طريق التعليل : «إنّه عمل غير صالح» ، فبيّن تعالى أنّه إنّما خرج عن أحكام أهله لكفره وسيّئ عمله ، وقد روى هذا التأويل أيضا عن جماعة من المفسّرين ؛ وحكي عن ابن جريج أنه سئل عن ابن نوح فسبّح طويلا ثمّ قال لا إله إلّا الله! يقول الله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) وتقول : ليس منه! ولكنه خالفه في العمل فليس منه من لم يؤمن.
وروي عن عكرمة أنّه قال : كان ابنه ولكنه كان مخالفا له في النية والعمل ؛ فمن ثمّ قيل : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).
والوجه الثالث : أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة ؛ وإنّما ولد على فراشه ، فقال عليهالسلام : إنّه ابني على ظاهر الأمر ؛ فأعلمه الله تعالى أنّ الأمر بخلاف الظاهر ، ونبّهه على خيانة امرأته ؛ وليس في ذلك تكذيب لخبره ، لأنّه إنّما أخبر عن ظنّه ، وعمّا يقتضيه الحكم الشرعيّ ، فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره ؛ وقد روي هذا الوجه عن الحسن وغيره.
وروى قتادة عن الحسن قال : كنت عنده ؛ فقال : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) ، لعمر
__________________
(١) سورة هود ، الآية : ٤٠.