الله ما هو ابنه ، قال : فقلت : يا أبا سعيد ؛ يقول الله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) وتقول : ليس بابنه! قال : أفرأيت قوله : (لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)؟ قال : قلت معناه : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجّيهم معك ، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه ، فقال : أهل الكتاب يكذبون ؛ وروي عن مجاهد وابن جريج مثل ذلك.
وهذا الوجه يبعد إذ فيه منافاة للقرآن ؛ لأنّه تعالى قال : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) ، فأطلق عليه اسم البنوّة ؛ ولأنّه أيضا استثناه من جملة أهله بقوله تعالى : (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) ؛ ولأنّ الأنبياء عليهمالسلام يجب أن ينزّهوا عن مثل هذه الحال ؛ لأنّها تعرّ وتشين وتغضّ من القدر ؛ وقد جنّب الله تعالى أنبياءه عليهمالسلام ما هو دون ذلك ؛ تعظيما لهم وتوقيرا ، ونفيا لكلّ ما ينفّر عن القبول منهم ؛ وقد حمل ابن عباس ظهور (١) ما ذكرناه من الدّلالة على أنّ تأوّل قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط : (فَخانَتاهُما) على أنّ الخيانة لم تكن منهما بالزنّا ، بل كانت إحداهما تخبر الناس بأنّه مجنون ؛ والأخرى تدلّ على الأضياف ؛ والمعتمد في تأويل الآية هو الوجهان المتقدّمان.
فأمّا قوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فالقراءة المشهورة بالرفع ، وقد روي عن جماعة من المتقدّمين أنّهم قرؤوا : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) بنصب اللام وكسر الميم ونصب «غير» ولكلّ وجه.
فأمّا الوجه في الرفع فيكون على تقدير أن ابنك ذو عمل غير صالح ؛ وصاحب عمل غير صالح ؛ فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ؛ وقد استشهد على ذلك بقول الخنساء :
ما أمّ سقب علي بوّ تطيف به |
|
قد ساعدتها على التّحنان أظآر (٢) |
__________________
(١) في التنزيه : ٣٦ : قوّة.
(٢) ورواية الديوان :
فما عجول على بوّ تطيف به |
|
لها حنينان : إصغار وإكبار |
والسقب : الذكر من ولد الناقة. والبو : أن ينحر ولد الناقة ويؤخذ جلده فيحشى ويدنى من أمه فترأمه والتحنان : الحنين. والأظئار : جمع ظئر ؛ وهي التي تعطف على ولد غيرها.