ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت |
|
فإنّما هي إقبال وإدبار |
أرادت إنّما هي ذات إقبال وإدبار.
وقال قوم : إنّ المعنى أصل ابنك هذا الذي ولد على فراشك وليس بابنك على الحقيقة [عمل غير صالح ، يعني الخيانة من امرأته ، وهذا جواب من ذهب إلى أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة] والذي اخترناه خلاف ذلك.
وقال آخرون إنّ إلهاء في قوله : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) راجعة إلى السؤال ؛ والمعنى : إن سؤالك إياي ما ليس لك به علم عمل غير صالح لأنّه قد وقع من نوح دليل السؤال والرغبة في قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) ومعنى ذلك نجّه كما نجّيتهم ، ومن يجيب بهذا الجواب يقول : إنّ ذلك صغيرة من النبي ؛ لأنّ الصغائر تجوز عليهم ، ومن يمنع أن يقع من الأنبياء شيء من القبائح يدفع هذا الجواب ؛ ولا يجعل الهاء راجعة إلى السؤال بل إلى الابن ، ويكون تقدير الكلام ما تقدّم.
فإذا قيل له : فلم قال : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)؟ فكيف قال نوح عليهالسلام من بعد : (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ)؟
قال : لا يمتنع أن يكون نهي عن سؤال ما ليس له به علم ؛ وإن لم يقع منه وأن يكون تعوّد من ذلك وإن لم يوافقه ؛ ألا ترى أنّ الله تعالى قد نهى نبيه عن الشّرك والكفر ؛ وإن لم يكن ذلك وقع منه ؛ فقال : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) وكذلك لا يمتنع أن يكون نهاه في هذا الموضع عمّا لم يقع منه ، ويكون عليهالسلام إنّما سأل نجاة ابنه باشتراط المصلحة لا على سبيل القطع ؛ وهكذا يجب في مثل هذا الدعاء.
فأمّا القراءة بالنصب فقد ضعّفها قوم وقالوا : كان يجب أن يقال : إنّه عمل عملا غير صالح ؛ لأنّ العرب لا تكاد تقول هو يعمل غير حسن ، حتى يقولوا :
__________________
(١) سورة الزمر ، الآية : ٦٥.