إنّما يكون بمشيئته وإرادته ، كما يقول القائل لغيره : والله لأضربنّك إلّا أن أرى غير ذلك ، وهو لا ينوي إلّا ضربه ، ومعنى الاستثناء هاهنا : أنّي لو شئت ألّا أضربك لفعلت وتمكّنت ؛ غير أنّي مجمع على ضربك.
والوجه السادس : أن يكون تعليق ذلك بالمشيئة على سبيل التأكيد للخلود ، والتبعيد للخروج ؛ لأنّ الله تعالى لا يشاء إلّا تخليدهم على ما حكم به ، ودلّ عليه ؛ ويجري ذلك مجرى قول العرب : والله لأهجرنّك إلّا أن يشيب الغراب ، ويبيضّ القار ؛ ومعنى ذلك أنّي أهجرك أبدا ؛ من حيث علّق بشرط معلوم أنّه لا يحصل ؛ وكذلك معنى الآيتين ؛ والمراد بهما أنّهم خالدون أبدا ، لأنّ الله تعالى لا يشاء أن يقطع خلودهم.
والوجه السابع : أن يكون المراد بالذين شقوا من أدخل النار من أهل الإيمان ، الذين ضمّوا إلى إيمانهم وطاعتهم المعاصي ؛ فقال تعالى : إنّهم معاقبون في النار إلّا ما شاء ربك ؛ من إخراجهم إلى الجنّة ، وإيصال ثواب طاعاتهم إليهم.
ويجوز أيضا أن يريد بأهل الشقاء هاهنا جميع الداخلين إلى جهنّم ؛ ثمّ استثنى تعالى بقوله : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أهل الطاعات منهم ، ومن يستحقّ ثوابا لا بدّ أنّه يوصل إليه فقال : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) من إخراج بعضهم ؛ وهم أهل الثواب.
وأمّا الذين سعدوا فإنّما استثنى تعالى من خلودهم أيضا لما ذكرناه ؛ لأنّ من نقل من النار إلى الجنة وخلّد فيها لا بدّ من الإخبار عنه بتأبيد خلوده من استثناء ما تقدّم ؛ فكأنّه تعالى قال : إنّهم خالدون في الجنّة ما دامت السماوات والأرض ؛ إلّا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار ، قبل أن ينقلهم إلى الجنّة.
والذين شقوا على هذا الجواب هم الذين سعدوا ، وإنّما أجرى عليهم كلّ لفظ في الحال التي تليق بهم ؛ إذا أدخلوا النار وعوقبوا فيها من أهل الشقاء ، وإذا نقلوا إلى الجنّة من أهل الجنة والسعادة.