على التقديم والتأخير ، ويكون تلخيصه «ولقد همّت به ولو لا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها» ويجري ذلك مجرى قولهم : قد كنت هلكت لو لا ان تداركتك ، وقتلت لو لا انّي قد خلّصتك. والمعنى لو لا تداركي لهلكت ولو لا تخليصي لقتلت ، وإن لم يكن وقع في هلاك ولا قتل. قال الشاعر :
ولا يدعني قومي صريخا لحرّة |
|
لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (١) |
وقال الآخر :
فلا يدعني قومي ليوم كريهة |
|
لئن لم أعجّل طعنة أو أعجّل (٢) |
فقدّم جواب «لئن» في البيتين جميعا [وقد استشهد عليه أيضا بقوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) والهمّ لم يقع لمكان فضل الله ورحمته] (٣).
وقد استبعد قوم تقديم جواب «لو لا» عليها ، وقالوا : لو جاز ذلك لجاز قولهم : «قام زيد لولا عمرو» و «قصدتك لو لا بكر». وقد بيّنا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب «لو لا» وانّ القائل قد يقول : «قد كنت قمت لو لا كذا وكذا» ، و «قد كنت قصدتك لو لا ان صدني فلان» ، وإن لم يقع قيام ولا قصد. وهذا هو الّذي يشبه الآية دون ما ذكروه من المثال.
وبعد ، فإنّ في الكلام شرطا وهو قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، فكيف يحمل على الاطلاق مع حصول الشرط؟ فليس لهم أن يجعلوا جواب لو لا محذوفا ؛ لأنّ جعل جوابها موجودا أولى. وليس تقديم جواب «لو لا» بأبعد من حذفه جملة من الكلام. وإذا جاز عندهم الحذف لئلا يلزم تقديم الجواب ، جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.
__________________
(١) البيت لقيس بن زهير بن جذيمة راجع الكتاب ١ : ١٨٦.
(٢) مختلف فيه في شرح ديوان الحماسة ١ : ٧٣ نسبه إلى مسور بن زيادة ، وقيل لعمه وفي ربيع الأبرار ١ : ٤٢٣ نسبه إلى قاسم بن اميّة بن أبي الصلت الثقفي.
(٣) ما بين المعقوفتين من الأمالي ، ١ ـ ٤٥٤ : ٤٥٥.