الجواب : قلنا في ذلك وجوه :
منها : أن يكون تعالى لم يرد بقوله إنّهم سجدوا له تعالى إلى جهته ، بل سجدوا لله تعالى من أجله ؛ لأنّه تعالى جمع بينهم وبينه ، كما يقول القائل : إنّما صليت لوصولي إلى اهلي ، وصمت لشفائي من مرضي. وإنّما يريد من أجل ذلك.
فإن قيل : هذا التأويل يفسده قوله تعالى : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) (١).
قلنا : ليس هذا التأويل بمانع من مطابقة الرؤيا المتقدمة في المعنى دون الصورة ؛ لأنّه عليهالسلام لمّا رأى سجود الكواكب والقمرين له كان تأويل ذلك بلوغه أرفع المنازل وأعلى الدرجات ونيله أمانيه وأغراضه ، فلمّا اجتمع مع أبويه ورأياه في الحال الرفيعة العالية ونال ما كان يتمنّاه من اجتماع الشمل ، كان ذلك مصدّقا لرؤياه المتقدّمة ، فلذلك قال : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ١٠٠]. فلا بدّ لمن ذهب إلى أنّهم سجدوا له على الحقيقة من أن يجعل ذلك مطابقا للرؤيا المتقدمة في المعنى دون الصورة ؛ لأنّه ما كان رأى في منامه أنّ إخوته وأبويه سجدوا له ، ولا رأى في يقظته الكواكب تسجد له ، فقد صحّ أنّ التطابق في المعنى دون الصورة.
ومنها : أن يكون السجود لله تعالى ، غير أنّه كان إلى جهة يوسف عليهالسلام ونحوه ، كما يقال : «صلّى فلان إلى القبلة وللقبلة». وهذا لا يخرج يوسف عليهالسلام من التعظيم ، ألا ترى أنّ القبلة معظّمة وإن كان السجود لله تعالى نحوها؟
ومنها : أن السجود ليس يكون بمجرّد عبادة حتّى يضاف إليه من الأفعال ما يكون عبادة ، فلا يمتنع أن يكون سجدوا له على سبيل التحيّة والإعظام والإكرام ، ولا يكون ذلك منكرا ؛ لأنّه لم يقع على وجه العبادة التي يختصّ بها القديم تعالى وكلّ هذا واضح.
__________________
(١) سورة يوسف ، الآية : ١٠٠.