فالجواب عنه : أنّ رجوع الشرط إلى الأمرين يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه ، ولا خلاف في رجوعه إلى الربائب.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية : أبهموا ما أبهم الله (١).
وروي أيضا أنّه قال : تحريم أمّهات النساء مبهم (٢).
فإمّا أن يكون قاله تفسيرا أو توقيفا ، فإن قاله توقيفا فالمصير إليه واجب ، وإن قاله تفسيرا من قبل نفسه فلم يخالفه مخالف (٣).
[انظر أيضا النساء : ١١ من الرسائل ، ٣ : ٢٥٧.]
[الثاني : قيل : ان هذه الآية وما جرى مجرى ذلك من تعليق التحريم بالأعيان ملحق بالمجمل.
وليس في الحقيقة كذلك إذ من المعلوم] أنّ الأعيان من الأجسام لا تدخل تحت القدرة ، والتحريم إنّما يتناول مقدورنا ، ففي الكلام حذف ، وتقديره حرّم عليكم الفعل في هذه الأعيان ، وجرى ذلك في أنّه مجاز ولا يجوز التعلّق بظاهره مجرى قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ).
وهذا غير صحيح ؛ لأنّ التعارف قد اقتضى في تعليق التحريم أو التحليل بالأعيان الأفعال فيها ، وصار ذلك بالعرف يجري مجرى تعليق الأملاك بالأعيان ؛ لأنّهم يقولون : «فلان يملك داره وعبده» وإنّما يريدون أنّه يملك التصرف فيهما ، ثمّ المفهوم من هذا التصرّف ما يليق بالعين الّتي أضيفت إلى الملك من استمتاع وانتفاع وغير ذلك.
وإنّما حملهم على هذا الحذف في الملك والتحريم والتحليل طلب الاختصار ، فاستطالوا أن يذكروا جميع الأفعال ، ويعدّدوا سائر المنافع ، فحذفوا ما يتعلّق التحريم أو الملك به اختصارا.
ولا يمكن أحدا أن يقول : انّ إضافة الملك إلى الأعيان هو مجاز ، وغير
__________________
(١) المغني (لابن قدامة) ، ٧ : ٤٧٢.
(٢) أحكام القرآن (للقرطبي) ، ٥ : ١٠٦.
(٣) الناصريات : ٣١٧.