مقدّمة لوجود الآخر أم لا؟
قلت : لا يمكن أن يتفوّه عاقل بأنّ مشغوليّة الجسم بالبياض يوم الخميس مضادّة لمشغوليّته يوم الجمعة بالسواد ، وقيام زيد في هذا الآن معاند لقيامه في الآن الثاني ، بل المضادّة يشترط في تحقّقها بين شيئين ما يشترط في تحقّق التناقض من الوحدات الثمانية التي منها الوحدة في الزمان ، فالمضادّة إنّما هي بين بقاء الموجود والضدّ الآخر ، ومن المعلوم والمقرّر في محلّه أنّ البقاء هو وجود ثان في الآن الثاني ، فحينئذ كما أنّ الوجود الأوّل يحتاج إلى مقتض ولا يمكن أن يوجد بدونه كذلك الوجود الثاني ، فالجسم المشغول بالبياض في الآن الأوّل إذا اقتضى مقتض سواده في الآن الثاني : فإمّا أن يكون المقتضي للبياض في هذا الآن موجودا أو لا ، فإن لم يكن ، فواضح أنّ وجود السواد مستند إلى علّته ومقتضية لا غير ، وإن كان ، فإمّا أن لا يترجّح أحد المقتضيين على الآخر أو لا ، فإن كان الأوّل ، فلا يوجد شيء منهما ، وعدم السواد مستند إلى وجود المقتضي للبياض ، لا إلى نفس البياض كما مرّ ، وإن كان الثاني ، فيوجد ما هو أقوى مقتضيا ، وعدم الآخر أيضا مستند إلى الابتلاء بالمعارض والمانع الّذي هو المقتضي للآخر ، الأقوى منه ، لا وجود الآخر.
فظهر أنّ رفع أحد الضدّين لا يكون مقدّمة للآخر ، كما أنّ دفعه لا يكون كذلك.
ومنشأ هذا الغلط السخيف لعلّه توهّم أنّ من المشاهد بالعيان بقاء الحجر الموضوع على الأرض ما لم يرفع ، فالبقاء لا يحتاج إلى مؤثّر بالحسّ والعيان ، والغفلة عن أنّ علّة البقاء هي جاذبيّة الأرض أو ضغط الهواء ، وهي موجودة.
هذا كلّه في الأمور التكوينيّة ، وأمّا الأفعال الإراديّة التي هي مورد الكلام :