والوجه الموجّه في حمل المطلق على المقيّد وتقدّم المقيّد عليه ما ذكرنا في بحث العامّ والخاصّ من أنّ ظهور القرينة ـ ولو كان أضعف الظهورات ـ مقدّم على ظهور ذي القرينة ولو كان أقواها ، ومثّلنا هناك بمثل : «رأيت أسدا يرمي» فإنّ ظهور «يرمي» في الرمي بالنبل ـ وإن كان ضعيفا غايته ، فإنّ الرمي كما يكون بالنبل يكون بالتراب أو غيره أيضا ـ مقدّم بنظر العرف على ظهور «الأسد» في الحيوان المفترس وإن كان بالوضع ، ولا يكاد يشكّ أحد في ذلك.
والسرّ فيه : أنّ القرينة ناظرة إلى ذي القرينة ومفسّرة له ومانعة عن انعقاد الظهور فيه لو كانت متّصلة ، فكلّ ما يكون قرينة ، فظهوره أيّا ما كان يكون حاكما على ظهور ذي القرينة كيف ما كان ، والميزان الكلّي في تشخيص القرينيّة وطريق إثباتها أن يفرض الكلام متّصلا ، فإن كان أحد الظهورين مانعا عن انعقاد الظهور الآخر ، فهو قرينة ومقدّم عليه حال الانفصال أيضا. ومن هذا القبيل : ظهور المقيّد ، كما في «امسح على ناصيتك ببلّة يمناك» فإنّا لو فرضنا كونه متّصلا بقوله : «امسح على مقدّم رأسك» يفهم منه مع العلم بأنّ التكليف واحد أنّ المراد من المسح على مقدّم الرّأس هو المسح على الناصية ببلّة اليمنى لا مطلقا ، فيقدّم عليه حال كونه منفصلا أيضا ، لقرينيّته عليه ، كان الظهور بمقدّمات الحكمة أو بالوضع. وهذا واضح لا سترة عليه.
وأخرى : لا نحرز وحدة الحكم ، ونحتمل أن يكون المطلوب متعدّدا وهو الغالب ، ويدور الأمر حينئذ بين حمل المطلق على المقيّد والحكم بأنّ المطلوب واحد ، أو نعمل بكلا الدليلين ونحكم بتعدّد المطلوب.
والحقّ هو الأوّل ، وتوضيحه يقتضي تقديم مقدّمة ، وهي : أنّه ينقسم الدليلان من حيث تعلّقهما بالسبب وعدمه إلى أقسام :