عماذا أفعل إن كنت على يقين وحجة ظاهرة فيما جئتكم به من ربّي ، وآتاني رحمة من عنده وهي النّبوة والوحي ، فخفيت عليكم ، فلم تهتدوا بها ، ولا عرفتم قدرها ، أنكرهكم على قبولها ، وأنتم لها كارهون ، معرضون عنها؟!
ويا قوم ، لا أطلب منكم مالا على نصحي لكم ، أي أجرا آخذه منكم ، وإنما أجري على الله عزوجل. وليس من شأني طرد المؤمنين برسالتي ، وتنحيتهم من مجلسي. وهذا إعلان المساواة في الكرامة بين الناس من غير امتياز للأغنياء. إن هؤلاء الأتباع سيلقون ربّهم ، ويحاسبهم على أعمالهم ، كما يحاسبكم ، ويعاقب من طردهم ، وأراكم قوما جهلة في مطالبتكم بطردهم من مجلسي ، فإن المفاضلة بين الناس إنما هي بالعمل الطيب الصالح ، لا بالثروة والجاه كما تزعمون.
ويا قوم من ينصرني من عذاب الله إن طردتهم ، فذلك ظلم عظيم ، أفلا تتعظون وتتفكرون فيما تقولون؟!
وتوابع النّبوة وتملك الثروة غير متوافرين لدي ، فلا أقول لكم بموجب النّبوة : إني أملك خزائن رزق الله ، وأتصرّف فيها ، ولا أعلم من الغيب إلا ما أطلعني الله عليه ، ولست أحد الملائكة ، ولا أستطيع القول لهؤلاء الذين تحتقرونهم : لن ينالهم خير ، وليس لهم ثواب على أعمالهم ، الله أعلم بما في صدورهم وبواطنهم من القصد الحسن والنّية الطيبة ، فإن تطابق باطنهم مع ظاهرهم ، كان لهم الحسنى ، وإن حكمت على سرائرهم بغير دليل ظاهر ، كنت ظالما قائلا ما لا أعلم به. والخلاصة : إن نوحا قصر مهمته على تبليغ الوحي بالنّبوة ، وأخبرهم عن تواضعه أمام الله عزوجل.