عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)) [هود : ١١ / ٤٢ ـ ٤٧].
هذه أول رحلة بحرية في التاريخ ، تسير بها سفينة نوح عليهالسلام ، تمخر عباب البحر ، وتشقّ أوساط الأمواج العظيمة بسبب الرياح الشديدة العاصفة ، فسارت بركّابها بإذن الله ورعايته ، وهي تجري بهم بسرعة على وجه الماء الذي ارتفعت أمواجه ، كالجبال الشاهقة ، وطالت قمم الجبال ورؤوسها العالية ، ونادى نوح ابنه كنعان ـ وكان ابن امرأته ـ وكان في معزل ـ أي ناحية ـ عنه ، وكافرا برسالة نوح ، فطالبه بالإيمان والركوب معه ، حتى لا يغرق ويكون مع الكافرين الهالكين.
فردّ الابن الجاحد العاصي على نوح قائلا : سآوي وأصير إلى جبل يحفظني من الغرق في الماء ، ظنّا منه أنه ماء سيل عادي ، يمكن النّجاة منه بالتّحصّن في مكان عال أو جبل شامخ. فأجابه نوح عليهالسلام : ليس شيء يعصم اليوم من الماء وأمر الله وعذابه الذي يعاقب به الكافرين ، لكن يحفظ من رحم الله ، ومن رحمه فهو المعصوم. وحال الماء الذي بدأ يرتفع بين الوالد والولد أثناء النقاش ، فكان من المغرقين الهالكين.
وتم الحدث الرهيب ، وغمر الماء الأرض كلها ، ولما تحقق المراد ونجى الله أصحاب السفينة ، أمر الله الأرض أن تبلع ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها ، وأمر السماء أن تكفّ عن نزول المطر ، ونادى الرّبّ عزوجل : يا أرض ابلعي ماءك الذي تفجر منك ، ويا سماء كفّي عن المطر ، فغاض الماء ، أي نقص ، امتثالا للأمر الإلهي ، وقضي الأمر ، أي أنجز ما وعد الله به نوحا من هلاك قومه الظالمين ، واستقرّت السفينة بمن فيها على جبل الجودي بالجزيرة شمالي العراق ، في الموصل ، وقيل : هلاكا وخسارا للقوم الظالمين ، وبعدا من رحمة الله.