لو كان لها وجود في الأرض ، لعلمها الله الذي لا تخفى عليه خافية ، وهذا نفي لوجودها ، والاستفهام استفهام توبيخ. وهو إضراب عن قولهم وتقرير مضمونه : هل تعلمون الله بما لا يعلم؟! وكلمة (أَمْ) بمعنى (بَلْ) وألف الاستفهام ، على مذهب سيبويه.
بل أتسمّونهم شركاء بظنّ ظاهر أجوف من القول أنهم ينفعون ويضرّون ، أم بباطل من القول ، والمعنى : إنما عبدتم هذه الأصنام بظنّ منكم أنها تنفع وتضرّ ، وسميتموها آلهة ، وهو ظنّ فاسد ، ووصف باطل ، وتصوّر خطأ محض ، لا أساس له من الصحة والواقع. هل يريدون تجويز ذلك بظاهر من الأمر؟ لأن ظاهر الأمر فيه التباس وموضع احتمال؟ وما لم يكن إلا بظاهر من القول فقط ، فلا شبهة له.
(بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) الواقع أنه لا فائدة من نقاش المشركين ومحاجتهم ، فإنهم قوم زيّن لهم كفرهم وكيدهم وسخفهم ، وهو ما هم عليه من الضّلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار. و (مَكْرُهُمْ) لفظ يعمّ أقوالهم وأفعالهم المناقضة للشرع. (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي وتأكيد للواقع أنهم صرفوا عن سبيل الحقّ وسبيل الله والدّين الأقوم ، بما زيّن لهم من صحة ما هم عليه.
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) ومن يخذله الله لكفره وعصيانه وضلاله ، فماله من أحد يوفقه إلى الهداية وسلوك طريق النجاة والسعادة.
ثم جاءهم الوعيد الإلهي الرهيب والإنذار بالجزاء الشديد ، وهو أن لهم عذابا مؤلما في الدنيا بأيدي المؤمنين ، بالقتل والأسر والذّلّ والدّمار ، والبلاء ألوان : المصائب في أجسامهم وغير ذلك ، ولهم عذاب الآخرة وهو الاحتراق في نيران الجحيم الذي هو أشدّ وأصعب وأنكى من عذاب الدنيا ، وليس لهم ساتر يقيهم أو يحميهم من ذلك العذاب.