إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥) ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦)) (١) [النّحل : ١٦ / ٩٣ ـ ٩٦].
هذه الآيات الكريمة تقرر الحد الفاصل في القضية الكبرى : وهي حرية الاختيار للإنسان ، التي على أساسها يكون الحساب والجزاء ، والثواب والعقاب ، فالله قادر على أن يجعل الناس على ملة واحدة أو دين واحد بمقتضى الفطرة والخلق ، فقوله تعالى : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) معناه يخلق ذلك في القلوب ، خلافا لقول المعتزلة ، كما ذكر ابن عطية في تفسيره. ورتب الله تعالى على حرية الاختيار التوعّد في آخر الآية ، بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله ، وهذا سؤال توبيخ وحساب ، وليس ثمّ سؤال تفهّم ، وهو المنفي في آيات.
ويقتضي الاختيار : أن يسلك الإنسان بموجب هداية الله وعقله مسلك أهل الصلاح والاستقامة في المعاملات والعلاقات الاجتماعية ، فلا يصح الانحراف والخداع والمكر ، لذا نهى الله عن اتخاذ الأيمان وسيلة خداع ، ونهى عن نقض العهود والأيمان : أيمان البيعة على الإسلام مع النبي صلىاللهعليهوسلم فإذا اتخذت الأيمان وسيلة مكر وخديعة ، فتزلّ قدم في الضلال بعد ثبوتها على جادة الاستقامة والإيمان. وهذا مثل لمن كان على الاستقامة ، فحاد عنها ، وزلّ عن طريق الهدى بأيمان حانثة ، مشتملة على الصدّ عن سبيل الله ، ومن انحرف أو زلّ ، ذاق السوء ، أي تحمل العذاب السيئ الأليم ، وهو القتل والأسر في الدنيا ، بسبب الصدّ عن سبيل الله ، وله العقاب الشديد في الآخرة ، جزاء المخالفة والانخراط في سلك الأشقياء الضالين.
والمقصود من الآية : إن نقضتم العهد أيها الناس ، وقعتم في مفاسد ثلاثة : ترك الاستقامة ، وتحمل شقاء الدنيا وعذابها ، وعقاب الآخرة وجزائها.
__________________
(١) يفنى ويزول.