فإن الله عاصمه وحافظه منهم. وما عليه إلا الإعراض عن زمرة صناديد المشركين الذين يريدون الصّدّ عن آيات الله تعالى. وهذا لون من المهادنة.
ثم أعلم الله تعالى نبيّه أنه كفاه المستهزئين به من كفار مكة ببوائق ومهالك من الله أصابتهم ، لم يسع بها محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا تكلف فيها مشقّة. وكان المستهزئون العتاة خمسة نفر : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، أبو زمعة ، والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن قيس من خزاعة وأمّه غيطلة.
وكان هؤلاء المستهزئون مشركين ، فوصفهم الله بقوله : (الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦)) أي إنهم الذين يتّخذون إلها آخر مع الله ، زورا وبهتانا ، فيشركون به من لا يضرّ ولا ينفع ، فسوف يجدون عاقبة أمرهم ، ومآل شركهم ، ومصير كفرهم. وهذا تهديد ووعيد لهم بسوء المصير ، لعلهم يرتدعون ، ويؤمنون بالله الواحد الأحد.
ثم واسى الله نبيّه عما يصيبه من أذى المشركين ، فأوحى إليه : إنا لنعلم يا محمد أنك تتأذى من سخرية المشركين وشركهم ، ويحصل لك ضيق صدر وانقباض ، فلا يمنعك ذلك عن إبلاغ رسالة ربّك ، وتوكّل عليه ، فإنه كافيك وناصرك عليهم ، ولا تأبه بما يقولون ، فإن صاحب الرسالة يتجاوز العقبات ، ولا يأبه بالصّعاب مهما كانت قاسية.
وتقوية لنفس النّبي صلىاللهعليهوسلم وتعزيز صلته بربّه ، أمره الله بمواظبة السّجود والعبادة التي هي الصلاة والأذكار ، من تسبيح وتحميد وتهليل ، فذلك كفيل برفع المعنويات ، وثبات القلب ، وقوة العزيمة ، ومواصلة الجهاد الدّعوي إلى الله وحده ، والأمر بمتابعة العبادة حتى يأتيه اليقين ، أي الأمر المتيقّن وقوعه وهو الموت ، وهذه الغاية معناها مدة الحياة.