بالتزام ما أمر واجتناب ما نهى ، واستقام على هذه الحال ، كان أسعد الناس في الدنيا والآخرة. وفضل الله ورحمته وعدله وإحسانه شأن عام على كل العباد ، وله مزيد من الخصوصية لأولياء الله الذين امتلأت قلوبهم خشية لله ، وتفانت في إرضاء الله بالإقبال على الطاعة ، وامتنعت من جميع أوضاع الانحراف والتقصير ، واستمرت على هذا المنهج الحكيم. ولا غرابة في أن يهيئ الله لبعض عباده عزّا وسؤددا في الدنيا ، بعد مهانة ومذلّة ، وأن يمتّعهم بأفضال إلهية لا تنقطع في الآخرة ، فتتحقق لهم سعادة الدارين ، وتلك هي النعمة العظمى.
شراء القمح من مصر
في السنوات السّبع الثانية التي عم فيها القحط والجدب ، لا مصر وحدها ، وإنما بلاد الشام أيضا ، لم يجد أولاد يعقوب عليهالسلام ، إخوة يوسف بدّا إلا التوجّه لأرض مصر لشراء القمح والقوت منها ، لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه. فسافروا إلى مصر ليتم اللقاء بين يوسف وإخوته ، قال الله تعالى واصفا هذا اللقاء الأول :
(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)) (١) (٢) (٣) [يوسف : ١٢ / ٥٨ ـ ٦٢].
__________________
(١) أي أوفى لهم الكيل وحملهم الطعام ، أي القمح الذي جاؤوا لطلبه من عنده. والجهاز : ما يحتاج إليه المسافر من زاد ومتاع وكل ما يحمل. ومنه جهاز العروس وجهاز الميت.
(٢) ثمن ما اشتروه.
(٣) أوعيتهم.