فيبقى الحقّ ويثبت ، ويزول الباطل ويتبدّد. وما أجمل وأحكم هذا التشبيه وبيان النتائج ، فأما الزّبد الطّافي فوق الماء فيزول ويقف على جانبي السّيل وفوق قدور المراجل ، وأما النافع من الماء والمعدن فيبقى مستقرّا في الأرض ، فيشرب الإنسان والحيوان والنبات والزرع من الماء ، وتستفيد البشرية من المعادن الصافية بالحلي والصناعات المختلفة.
وعقّب الله تعالى على استقرار النافع وتبدّد الضّار بقوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) أي إنه تعالى كما بيّن لكم هذه الأمثال ، فكذلك يضربها بيّنات واضحات ، لإيضاح الفارق المتميّز بين الإيمان والكفر ، والحق والباطل.
والقرآن الكريم يجسّد الحق ونور الإيمان بإحياء القلوب ، كما يحيي الماء الأرض بعد موتها ويبسها ، وكما ينفع المعدن النّقي الناس في منافع كثيرة. وأما الكفر والضّلال والشّرك ، فهو عديم النفع سريع الزوال ، ويتبدّد فورا. وما ضرب هذا المثل إلا لخير الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل ليختار النافع وهو الإيمان ، ويترك الضّارّ المتلاشي وهو الكفر ، فيكثر أهل الحق والإيمان بالحق والنّور ، ويضعف أهل الضلال والكفران بالباطل والظلام.
ثم ذكر الله تعالى مصير أهل الحق وأهل الباطل ، ومآل السعداء والأشقياء ، ترغيبا وترهيبا ، فقال : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) أي إن الذين يطيعون الله ورسوله ، وينقادون لأوامره ، ويصدّقون أخباره ، لهم الجزاء الحسن ونعيم الجنة ، والخلود الأبدي في دار النعيم. والذين لم يستجيبوا لربّهم ، فلم يطيعوا الله ورسوله ، لا ينفعهم الفداء في الآخرة بجميع ما في الدنيا من أموال وأضعاف ما فيها ، فلا يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه. ولو كان لهم كل ما في الدنيا ، وقدّموا فداء من العذاب ، لا يتقبّله الله منهم على الإطلاق. أولئك الذين