(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩)) (١) (٢) (٣) (٤) (٥) [الرّعد : ١٣ / ١٧ ـ ١٩].
هذه الآيات مثال واضح للحقّ والباطل ، والإيمان والكفر ، والشّك في الشّرع واليقين به ، والحقّ هو القرآن والإيمان في ثباته ونفعه ، والباطل هو الكفر في الاضمحلال والفناء. ومثل الحق كالمطر النازل من السماء الذي تسيل منه الأودية غزارة وضعفا بحسب صغرها وكبرها أو مقدارها ، والقلوب كهذه الوديان تتفاوت في استيعاب الإيمان سعة وضيقا ، وهذا هو الثابت النافع ، وأما زبد السّيل الطّافي فوقه ، فهو مثل الباطل في زواله وانعدام نفعه.
والمثل الثاني : هو أن الحقّ كالمعدن النافع من ذهب أو فضّة ونحوهما من المعادن التي يستفاد منها فوائد كثيرة ، والباطل : هو ما يعلو تلك المعادن من شوائب وأخلاط طافية عند انصهارها أو إذابتها في النار.
وعقّب الله تعالى على المثلين بقوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي إن التشبيه المذكور مثل الحقّ والباطل إذا اجتمعا ، فالحق في استقراره ونفعه كالماء المستقرّ النافع ، وكالمعدن النّقي الصّافي. والباطل في زواله وعدم نفعه كالرغوة التي يقذفها السّيل على جوانبه ، وكشوائب المعدن التي يطرحها ويتخلّص منها عند انصهاره ،
__________________
(١) بمقدارها.
(٢) الزّبد : الرّغوة. ورابيا : مرتفعا.
(٣) الخبث الطّافي عند إذابة المعادن.
(٤) مرميا به مطروحا.
(٥) بئس المستقرّ جهنم.