(وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)) (١) [يونس : ١٠ / ٤٠ ـ ٤٤].
هذا إخبار عن موقف مشركي مكة من القرآن والنّبي ، فهم فريقان : من هؤلاء القوم من سيؤمن في المستقبل ويتبع النّبي ، وينتفع بما أرسل به. ومنهم من يصرّ على كفره ولا يؤمن أبدا ، ويموت على ذلك ، وربّك أعلم بمن يفسد في الأرض بالشرك والظلم ، فلا أمل في إصلاحه ، وسيعذّبه الله في الدنيا والآخرة. وهذا تهديد ووعيد.
وإن كذبك هؤلاء المشركون أيها النّبي ، فتبرأ منهم ومن عملهم ، وقل لهم : لي عملي : وهو الإيمان بالله وتبليغ رسالته وطاعته ، وأنا مسئول عنه ، وسيجازيني الله عليه. ولكم عملكم : وهو الظلم والشرك والفساد ، وسيجازيكم الله عليه. أنتم بريئون مما أعمل ، وأنا بريء من عملكم ، فلا تؤاخذون بعملي ، ولا أؤاخذ بعملكم ، وأنتم مسئولون عنه. وهذه آية مناجزة لهم ومتاركة ، وفي ضمنها وعيد وتهديد. والآية في معنى قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ ..) [الكافرون : ١٠٩ / ١ ـ ٦].
وأما موقف المشركين المكّيين منك أيها النّبي فهم أصناف ، منهم من يستمعون إليك بآذانهم إذا قرأت القرآن وعلّمت الشرائع ، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون ، وإنما يسمعون دون تدبّر ولا فهم ، وحينما لا يؤمنون ولا ينتفعون بسماع القرآن ، كأنهم
__________________
(١) يعاين أدلّة نبوّتك الواضحة.