ومنزلة ممن تتهمونه بالسّرقة ؛ لأنكم سرقتم أخاكم من أبيكم ، وطرحتموه في البئر ، لإهلاكه والتخلص منه. والله أعلم بما تذكرون وتصفون.
ثم استشفعوا لدى يوسف قائلين : يا أيها العزيز ، إن له أبا شيخا كبيرا ، هرما ، يحب هذا الولد حبّا شديدا ، فخذ أحدنا بدله ، إنا نراك من المحسنين لنا في عطائنا وضيافتنا ، بل وفي جميع أفعالك معنا ومع غيرنا.
قال : نعوذ بالله ونلجأ إليه أن نأخذ غير من وجدنا الصواع عنده ، فإنا إن فعلنا ذلك كنا من جملة الظالمين ، لأن ذلك أخذ بريء بمتهم. والمراد أن الله أمرني بما فعلت ، واحتبست بنيامين لمصلحة في ذلك.
فلما يئس إخوة يوسف من إطلاق سراح أخيهم بنيامين الذي التزموا وعاهدوا أباهم أن يردوه إليه ، اعتزلوا الناس يناجي بعضهم بعضا ، فقال كبيرهم شمعون رأيا وتدبيرا وعلما ، وإن كان روبيل أسنّهم : ألم تعاهدوا أباكم بردّ بنيامين ، وكنتم سابقا قد فرطتم بيوسف ، فلن أغادر أرض مصر أبدا ، حتى يأذن لي أبي ، أو يحكم الله لي بأن يمكنني من أخذ أخي بنيامين ، والله خير الحاكمين بالحق والعدل ، ارجعوا إلى أبيكم ، وقولوا له : يا أبانا لقد سرق ابنك صواع الملك ، فاسترقّه عزيز مصر ، وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمناه وشاهدناه ، ولم نعلم بالغيب أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق بردّه. واسأل يا أبانا أهل القرية التي كنا فيها وهي مصر ، واسأل أصحاب العير الذين كانوا يأتون بالميرة (الطعام) معنا ، ونحن صادقون فيما أخبرناك به.
قال يعقوب : بل زيّنت لكم أنفسكم أمرا آخر أردتموه ، وكيدا جديدا فعلتموه ، فأصبر صبرا جميلا : وهو الذي لا جزع ولا شكاية فيه لأحد غير الله ، لعل الله أن يأتيني بأولادي الثلاثة جميعا ، إن الله عليم بحالي ، حكيم في فعله وقضائه وقدره. وأعرض بوجهه عن أولاده وجعل يتفجع ويتأسّف ، وأصيبت عيناه بغشاوة بيضاء