أراد إضلالهم بسوء اختيارهم ، والله لا يهدي من قضى بإضلاله ، وأساء الاختيار ، وليس لمن اختاروا الضلالة ناصرون ينقذونهم من عذاب الله وعقابه ؛ لأن أساس الحساب على الإيمان والكفر هو الاختيار ، لا الإكراه والإلجاء.
ثم رد الله تعالى على شبهة خطيرة لمنكري النبوة ، وهي إنكار البعث والحشر والنشر والحساب ، فلقد أقسم المشركون كفار قريش واجتهدوا في الحلف ، وأغلظوا الأيمان على أنه لا يبعث الله من يموت ، أي إنهم استبعدوا البعث ، وكذبوا الرسل في إخبارهم إياهم به ، لأن الميت يفنى ويزول. ذكر أن رجلا من المسلمين جاور رجلا من المشركين ، فقال في حديثه : «لا والذي أرجوه بعد الموت» فقال له الكافر : «أو تبعث بعد الموت؟» قال : «نعم» فأقسم الكافر مجتهدا في يمينه أن الله لا يبعث أحدا بعد الموت ، فنزلت الاية بسبب ذلك. وقوله تعالى : (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) معناه بغاية جهدهم.
ردّ الله تعالى عليهم بقوله : (بَلى) فأوجب بذلك البعث ، وقرر وقوعه ثم أكده بمصدرين مؤكدين بقوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) أي بلى ، سيكون ذلك ، ووعد به وعدا حقا لا بد منه ، ولكن أكثر الناس لجهلهم بقدرة الله خالفوا الرسل ، ووقعوا في الكفر ، وأكثر الناس في هذه الآية : هم الكفار المكذبون بالبعث. والبعث من القبور مما يجوّزه العقل ، وأثبته خبر الشريعة على لسان جميع النّبيين.
وحكمة الله في البعث والمعاد هي ليبين الله للناس الحق الذي يختلفون فيه ، ويقيم العدل المطلق ، فيميز بين الخبيث والطيب ، والعاصي والطائع ، وقوله سبحانه :
(لِيُبَيِّنَ) متعلق بقوله : (بَلى) أي بلى يبعث ليبين ، وليعلم الكافرون الذين أنكروا البعث والجزاء أنهم كانوا كاذبين في أيمانهم وأقوالهم وادعائهم أنه لا يبعث الله من يموت.