يخبر الله تعالى أهل مكة وغيرهم في هذه الآية بأنه أهلك كثيرا من الأمم بسبب ظلمهم وتكذيبهم الرّسل فيما جاءوهم به من البيّنات والحجج الواضحة كما قال سبحانه : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) [الكهف : ١٨ / ٥٩] والإهلاك إما بعذاب الاستئصال لأقوام الرّسل الذين كذبوا بهم مثل نوح وعاد وثمود ، وإما بإذلالهم واستيلاء الأمم القوية عليهم ، بسبب ظلم بعضهم بالفسق والفجور.
لقد أهلك الله الأمم العاتية لما ظلموا أنفسهم ، وأصروا على الكفر ، وكذبوا بالبيّنات الدّالة على صدق الرّسل ، فلم يؤمنوا بهم وعارضوهم وقاوموهم ، وقوله تعالى : (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا) إخبار عن قسوة قلوبهم ، وشدة كفرهم ، وإفراطهم في العناد والتّحدي ، فلم يعد هناك أمل في إصلاحهم ، ولا فائدة في إمهالهم ، بعد إقامة الحجج عليهم ببعثة الرّسل.
وقوله سبحانه : (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) معناه : مثل ذلك الجزاء أي الإهلاك ، نجزي كل مجرم. وهذا إعلان واضح ووعيد لأهل مكة المشركين على جريمتهم بتكذيب نبيّهم ورسولهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.
وليس عذاب الاستئصال العام لقوم إفناء للنوع البشري ، وإنما هو مجرد وعيد وإنذار ، فيعّوض الله جيلا بجيل ، لذا خوطب مشركو مكة بأن جعلهم الله خلفاء في الأرض ، بعد تلك القرون أو الجماعات المهلكة ، ليبين في الوجود ما علمه أزلا في القديم الذي لا أول له ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «إن الله تعالى إنما جعلنا خلفاء لينظر كيف عملنا ، فأروا الله حسن أعمالكم في السّر والعلانية» وكان عمر يقول أيضا : «قد استخلفت يا بن الخطاب ، فانظر كيف تعمل».
وتقرير وجود المشركين المكّيين عقب إهلاك الظالمين المتقدّمين إشعار بأن دورة