واطلبوا المغفرة من ربّكم على سالف الذنوب من عبادة الأوثان وبخس المكيال والميزان ، ثم توبوا إليه فيما تستقبلونه من الأعمال السيئة ، وارجعوا إلى طاعته ، فإن ربي رحيم بمن تاب إليه وأناب ، كثير الود والحب ، يحب التائب ويرحم المذنب. وهذا يدل على أن الاستغفار والتوبة يسقطان الذنوب.
لم ينفعهم هذا الأسلوب أيضا ، فلجئوا إلى الإهانة والتهديد ، قائلين : يا شعيب ، ما نفهم كثيرا من قولك ، مع أنه خطيب الأنبياء ، وأنت واحد ضعيف ، ولولا رهطك أو عشيرتك وقرابتك لرجمناك بالحجارة ، وليس لك معزّة ولا تكريم. والرّهط : الجماعة من الثلاثة إلى العشرة.
فأجابهم شعيب عليهالسلام بحلم وأناة قائلا : يا قومي أرهطي أعزّ وأكرم عليكم من الله القوي القادر القاهر ، واتّخذتموه وراءكم ظهريّا ، أي تركتموه خلفكم ، لا تطيعونه ولا تعظمونه ، ولا تخافون بأسه وعقابه ، إن ربي محيط علمه بعملكم ، عالم بأحوالكم ، فلا يخفى عليه شيء منها ، وسيجازيكم على أفعالكم.
ولما يئس شعيب عليهالسلام من إجابتهم دعوته ، حسم الموقف قائلا : يا قوم ، اعملوا على طريقتكم ، واعملوا كل ما في وسعكم وطاقتكم من إلحاق الشّرّ بي ، فإني عامل أيضا على طريقتي بما آتاني الله من القدرة ، أي فأنتم ثابتون على الكفر والضّلال ، وأنا ثابت على الدعوة إلى عبادة الله والثقة بقدرته. ولسوف تعلمون من ينزل به عذاب يخزيه ويذله في الدنيا والآخرة ، ومن هو كاذب في قوله مني ومنكم ، وانتظروا ما أقول لكم من إيقاع العذاب ، إني معكم رقيب منتظر. وهذا وعيد وتهديد لمن يفهم ويدرك المقال.
وبعد نفاد كل محاولات الإصلاح لأهل مدين ، نزل بهم العقاب على كفرهم وفسادهم ، فلما جاء أمر الله بعذابهم ، ونفذ قضاؤه فيهم ، نجى الله تعالى رسوله