ولما دخل أولاد يعقوب مصر التي كان لها أبواب أربعة ، من حيث أمرهم أبوهم ، من أبواب متفرقة ، ما كان توجيه يعقوب على هذا النحو يفيدهم شيئا قطّ ، إذا أصيبوا بسوء ، ولا يردّ عنهم قدرا ؛ لأنه لو قضي أن تصيبهم عين ، لأصابتهم مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته ورجاؤه قدر السلامة ، فوصّى ، وأن يظهر شيئا في نفسه ، وهي شفقته عليهم ، وتلك رغبة أو حاجة ذاتية في نفس يعقوب أراد إظهارها.
ثم أثنى الله عزوجل على يعقوب بأنه لقّن ما علّمه الله من هذا المعنى ، وهو يعلم بأن الحذر لا يمنع من القدر لتعليم الله إياه بالوحي ، ولكن أكثر الناس وهم المشركون والكفار لا يعلمون ذلك ، أي لا يعلمون مثل ما علم يعقوب عليهالسلام ، ولا يدركون كيف أرشد الله أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة ، ومن تلك العلوم : الأخذ بالأسباب الظاهرة ، وتفويض الأمر لله تعالى.
والخلاصة : نحن البشر مأمورون باتخاذ الاحتياطات والأسباب الظاهرية ، ونفوّض الأمر في تحقيق النتائج إلى الله تعالى ، مع ثقتنا التامّة بعدله وفضله ورحمته وإحسانه ، ومع توكلنا عليه سبحانه في إنجاز الأمور وتفويض المشيئة لله تعالى.
لقاء الأخوين يوسف وبنيامين
لم يطلب يوسف عليهالسلام الإتيان بأخيه بنيامين إلا لإبقائه عنده ، تمهيدا لجمع الشّمل ولمّ الأسرة ، والعيش مع الشيخ الكبير يعقوب عليهالسلام الذي اعتصر الأسى قلبه بفقد يوسف ، ثم تلاه بنيامين. وتمت الخطة بكيد يسّره الله ليوسف عليهالسلام ، واستسهل الأمر على ما فيه من رمي أبرياء بالسرقة ، وإدخال الهمّ على